السبت، 6 أبريل 2013

تبارك الله أحسن الخالقين



بسم الله الرحمن الرحيم

                                             فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين

قال أَحْسَنُ الْخَالِقِين: { وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (*) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (*) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين } سورة المؤمنون : 12 – 14

وقفة لغوية بلاغية: تماسك عجيب بين أطوار البيان في التعبير عن أطوار خلق الإنسان.

استخدم في عطف آيات الخلق السابقة على بعضها أداتا العطف ( ثم ) و(الفاء) وقد وقف (العلوي في الطراز) عند ذلك الاستخدام، وحاول كشف بعض الأسرار المعنوية للعطف بهاتين الأداتين من خلال تلك الآيات، حيث يقول: (( فتأمل هذه الآية، كيف بدأ بالخلق الأول، وهو خلق آدم من طين، ولما عطف عليه الخلق الثاني الذي هو خلق التناسل، عطفه بثم، لما بينهما من التراخي، وحيث صار إلى الأطوار التي يتلو بعضها بعضا على جهة المبالغة، عطف العلقة على النطفة بثم، لما بينها من التراخي، ثم عطف المضغة على العلقة بالفاء، لما لم يكن هناك تراخ، ثم عطف خلق العظام من عقيب كونه مضغة بالفاء، من غير مهلة ولا تلبُّث، ثم عطف كسونا العظام لحما بالفاء من غير تراخ، ثم تسويته إنسانا بعد خلق العظام بثم، إشارة إلى التراخي، ثم قوله فتبارك الله أحسن الخالقين، عطفه بالفاء دلالة على أن كل عاقل خرق قرطاس سمعه نظم هذه الآيات، وتأليفها، فإنه يَقضَى العجبَ على الفور من غير تلبُّثٍ، وينطق باللفظ الدال على الزيادة في الحكمة والدخول في الاتقان)) . فتبارك الله أحسن الخالقين، على حسن خلقه، وحسن تأليفه، وبديع نظامه.
ويمكن أن نضيف إلى وقفة العلوي، التي حاول من خلالها كشف الأسرار البلاغية، في استخدام أداتي العطف ( ثم ) و(الفاء)، من خلال الآيات القرآنية السابقة، ما نراه جديرا بالذكر في العلاقة بين الجمل الثمانية، التي تتضمنها تلك الآيات. فالعطف هو وصل وربط، والربط بين هذه الجمل لا يقتصر - في رأينا - على أداتي العطف ( ثم ) و (الفاء)، بل تعداه إلى روابط أخرى، منها؛ إعادة الذكر عن طريق الضمير أو اللفظ الذي قوى لحمتها، وجعلها كالجملة الواحدة، التي تعبر عن قصة خلق الإنسان بأطوارها المتعددة، فنجد الفعل مع فاعله"خلقنا" قد تكرر أربع مرات، يضاف إلى ذلك أن هذه الأفعال: خلقنا، كسونا، أنشأنا، يربط بينها فاعل واحد جاء بصيغة الجمع "نـا"، وهذا يعطي دلالة على حضور الذات الإلهية، وقدرتها على الخلق والتحويل، ثم نلحظ الربط بين الإنسان وأصله في كل طور من الأطوار التي مر بها، حيث ذكر الإنسان في الجملة الأولى، وأعيد ذكره في الجملة الثانية عن طريق العائد؛ وهو الهاء في (جعلناه)، وتم ربطه بأصله وهو (النطفة)، وأعيد ذكر النطفة في الجملة الثالثة، وربطها بالعلقة، وأعيد ذكر العلقة في الجملة الرابعة، وربطها بالمضغة، وأعيد ذكر المضغة في الجملة الخامسة، وربطها بالعظام، وأعيد ذكر العظام في الجملة السادسة، ثم أعيد ذكر الإنسان عن طريق العائد في "أنشأناه" وربطه بالخلق الآخر في الجملة السابعة، وكانت الجملة الثامنة تتويجا لما جاء في الجمل السابقة، وانبهارا بقدرة الخالق التي تعبر عنها قصة خلق الإنسان بأطوارها المتعددة. وارتباط الجملة الثامنة بما قبلها لم يكن عن طريق الفاء فقط، بل عن طريق إعادة اللفظ في ( الله ) حيث تحول ضمير الفاعل ( نا ) إلى الفاعل نفسه، وهو التفات من الحضور إلى الغياب، أو من المتكلم إلى الغائب. وكذلك في ( الخالقين ) حيث أعيد ذكر اللفظ بعد تحوله من الفعل إلى اسم الفاعل. واسم الفاعل يكتسي صبغة الديمومة، فهو خالق في كل زمان ومكان إلى يوم الدين، يضاف إلى كل ذلك أن الجمل السابقة كلها جاءت خبرية، وأن الجملة الأخيرة جاءت إنشائية تعجبية، لتكون محطة أخيرة في هذه السلسلة العجيبة الأطوار، ليعبر من خلالها القلب والعقل عن الاندهاش والانبهار من عظمة الخالق، ويلهج اللّسان بذكره؛ فتبارك الله أحسن الخالقين، على حسن خلقه، وحسن تأليفه، وبديع نظامه.
يضاف إلى كل ذلك أن أداة التعريف "أل" لها دور مهم في الربط إذا كانت عهديه وكان مصحوبها معهودا ذكريا، وقد يسدّ الضمير مسدّ ها مع مصحوبها. وهذا ما نلحظه من دورٍ لـ "أل" العهدية في ربط الجمل في الآيات السابقة ( نطفة - النطفة، علقة – العلقة، مضغة – المضغة، عظاما – العظام ). وهكذا نجد أن تلك الجمل عبارة عن سلسلة مترابطة الحلقات تُسلِمنا كل الحلقة إلى الحلقة التي تليها. وبين تلك الحلقات روابط وعقد متينة لا تنفصم عراها، ولا ينهار بناها، ولا يعتريها الضعف، ولا يخالطها اللّبس. فالأمر إذن لا يتوقف عند مجرد تكرار رابط سياقي (ثم، والفاء) فحسب.


                                                                                                         الشريف عمر ميهوبي



رحلة الحمل بالصور من التلقيح حتى الولاده.... تبارك الله أحسن الخالقين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق