السبت، 13 أبريل 2013

روابــط الجمـلة عند النحويين القدماء


روابــط الجمـلة
عند النحويين القدماء













الدكتور/ الشريف ميهوبي*








* مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية- دبي _ع/38 - 2009 م
ملخص:     روابــط الجمـلة  عند النحويين القدماء


إنّ البناء والتوالد اللغوي كلاهما يحتاج إلى لحمة تصل مراحل البناء بعضها ببعض، وتوطد حلقات التوالد في السلسلة اللغوية بشكل لا تنفصم عراها، ولا ينهار بناها، وتلك اللحمة هي التعليق أو الترابط أو الارتباط أو الربط؛ ومهما تعددت المصطلحات في التعبير عن عقد النسيج اللغوي، فإنها تهدف كلها في النهاية إلى وصف العلاقة بين عناصر الجملة؛ وهي متماسكة مترابطة لا يعتريها لبس أو غموض، وكل عنصر فيها يؤدي دوره بالقدر المقسوم له، و إلى معرفة اللحمة التي تربط أوصالها و تحُكِمُ إقفالها.
فدراسة الجملة لا تكون مرضية دون مراعاة جوانب الربط فيها. ونظام الربط كذلك لا تتضح أهميته إلا إذا دُرِس من خلال الجملة؛ إذْ هي القاعدة الأساسية التي ينطلق منها البناء اللغوي، و هي الخلية الحية في جسم اللغة، التي يتوالد منها كل نسيج لغوي، و أوّل العُقَد التي يتوقف عليها ذلك النسيج في إحكام العبارة، وهي اللحمة لِسَدَى الكلام، والمِرْقَاة لمدارج القول.
ولأهمية الربط في تماسك البناء اللغوي و تآلفه -  إذ لولاه لما تمت العملية الكلامية، ولما كان هناك تواصل. فكيف يكون التواصل إذا تقطعت الأوصال وزالت حبال الوصال، وعمَّ اللّبس والغموض المقال؟ ولولاه لما استدعت اللفظة نظيرتها ولما استقطبت الجملة مثيلتها ولما كان هناك تعلق بين الكلم -  فقد اختار هذا البحث الحديث عن روابط الجملة في منظور النحويين العرب.
            فإذا نظرنا مثلا إلى مختلف مؤلفاتهم النحوية القديمة فإننا نجدهم لم يخصصوا حيزا من دراساتها للربط بوصفه موضوعا قائما بذاته كباقي الموضوعات التي درست، وحتى ما درسوه منه لم يدرسوه دائما بالرجوع إلى الجملة، بوصفها القاعدة الأولى للكلام، وأهمية الربط وقيمته لا تظهر إلا من خلالها. فكانت دراستهم لأدوات الربط متناثرة على مجموعة من الأبواب النحوية؛ فدرسوا بعضها على أنه روابط كبعض الضمائر، والفاء الواقعة في جواب الشرط، ودرس بعضها الآخر في إطار الأدوات؛ كحروف الجر والعطف، ودرس بعض منها على أنه عوامل، مثل حروف النصب. ومنها ما درس تحت عناوين أخرى بعيدا عن الجملة، وعما يمت إلى الربط بصلة؛ ومن ذلك مثلا: الرابط الموصولي، والحروف المصدرية، وترابط الفعل مع بعض معمولاته عن طريق أدوات معينة، وكالربط عن طريق الحركة الإعرابية وبعض الأدوات بين الجمل؛ كترابط الشرط، وترابط الطلب بجوابه، وترابط القسم بجوابه، وغير ذلك من طرق الربط ووسائله التي استعانت بها العربية في نسج أبنيتها وتراكيبها.
و يمكن أن يستثنى من ذلك ما قدمه ابن هشام من خلال كتابه: مغني اللبيب؛ حيث خصص من خلال حديثه عن الجملة حيزا مهما عن الربط بالضمير، فذكر مواضع الربط عن طريقه في الجملة، كما تحدث عن روابط جملة الخبر. وقلة من النحاة تحدثوا عن الربط عن طريق الحروف وعلى رأسهم ابن يعيش. و معرفة كل ذلك كان هو القصد والمبتغى، وله سُخِّر هذا البحث.

روابــط الجمـلة
عند النحويين القدماء
مقدمة:
يحتل نظام الربط في اللغة أهمية كبيرة، حيث لا تكون دراسة اللغة مجدية من دونه، سواء أكان الربط معنويا لا يدرك إلا من خلال العلاقة بين عناصر اللغة، أم لفظيا محسوسا؛ فإنه يؤدي دورا بارزا في وضوح العلاقة بين أجزاء الكلام، وإزالة كل لبس أو غموض قد يكتنفها.
ونظام الربط لا تتضح أهميته إلا إذا دُرِس من خلال الجملة؛ إذْ هي القاعدة الأساسية التي ينطلق منها البناء اللغوي، و هي الخلية الحية في جسم اللغة، التي يتوالد منها كل نسيج لغوي، و أوّل العُقَد التي يتوقف عليها ذلك النسيج في إحكام العبارة، وهي اللحمة لِسَدَى الكلام، والمِرْقَاة لمدارج القول.
فالبناء والتوالد اللغوي كلاهما يحتاج إلى لحمة تصل مراحل البناء بعضها ببعض، وتوطِّد حلقات التوالد في السلسلة اللغوية بشكل لا تنفصم عراها، ولا ينهار بناها، وتلك اللحمة هي التعليق أو الترابط أو الارتباط أو الربط؛ ومهما تعددت المصطلحات في التعبير عن عقد النسيج اللغوي، فإنها تهدف كلها في النهاية إلى وصف العلاقة بين عناصر الجملة؛ وهي متماسكة مترابطة لا يعتريها لبس أو غموض، وكل عنصر فيها يؤدي دوره بالقدر المقسوم له، و إلى معرفة اللحمة التي تربط أوصالها و تحُكِمُ إقفالها. ومعرفة ذلك كان هو القصد والمبتغى، وله سُخِّر هذا البحث.
إذن، هذا البحث اختار الربط موضوعا له، نظرا لأهميته في تماسك البناء اللغوي، ولما يقوم به من دور في تآلف الكلام وترابطه، إذ لولاه لما تمت العملية الكلامية، ولما كان هناك تواصل. فكيف يكون التواصل إذا تقطعت الأوصال وزالت حبال الوصال، وعمَّ اللّبس والغموض المقال؟ ولولاه لما استدعت اللفظة نظيرتها ولما استقطبت الجملة مثيلتها ولما كان هناك تعلق بين الكلم.
فدراسة الربط لا تكون مجدية إلا بالرجوع إلى الجملة بوصفها وحدة الكلام وقاعدته الأساسية التي تبرز أهميته من خلال ترابط عناصرها وتآلفها وتماسكها في أثناء تأديتها للدلالة اللغوية، ولا تكون دراسة الجملة كذلك مرضية دون مراعاة جانب الربط فيها. وهذا ما يؤكده أحد الدارسين المحدثين بقوله: ))ومن المسائل التي لا يمكن بدونها أن تدرس الجملة دراسة مرضية مسألة الربط بين عناصرها من ناحية، وبين الجمل من ناحية أخرى... ومعلوم أن طرق الربط داخل الجملة الواحدة وبين الجمل تكون بالإضافة إلى ترتيب عناصر الجملة أخص ما تمتاز به اللغات إذ هي أساس بنية الكلام والصورة التي تنتظم حسبها الألفاظ، ويتصل بعضها ببعض،  فكل وصف للغة ما لا يولي هذه الناحية حقها من العناية، ولا يعتبرها أساسية، لا يمكن أن يكون مصورا لتلك تصويرا يبرز روحها، ويضبط مقوماتها الجوهرية، ويوضح طرفتها ((.(1)
الربط عند النحويين القدماء:
إذا نظرنا إلى مختلف المؤلفات النحوية والبلاغية القديمة فإننا نجدها لم تخصص حيزا من دراساتها للربط بوصفه موضوعا قائما بذاته كباقي الموضوعات التي دُرِست، وحتى ما دُرِس منه لم يُدرس دائما بالرجوع إلى الجملة بوصفها القاعدة الأولى للكلام، وأهمية الربط وقيمته لا تظهر إلا من خلالها. فكانت دراستهم لأدوات الربط متناثرة على مجموعة من الأبواب النحوية؛ فدرسوا بعضها على أنه روابط كبعض الضمائر، والفاء الواقعة في جواب الشرط، ودرس بعضها الآخر في إطار الأدوات؛ كحروف الجر والعطف، ودرس بعض منها على أنه عوامل، مثل حروف النصب. ومنها ما درس تحت عناوين أخرى بعيدا عن الجملة، وعما يمت إلى الربط بصلة؛ ومن ذلك مثلا: الرابط الموصولي، والحروف المصدرية، وترابط الفعل مع بعض معمولاته عن طريق أدوات معينة، وكالربط عن طريق الحركة الإعرابية وبعض الأدوات بين الجمل؛ كترابط الشرط، وترابط الطلب بجوابه، وترابط القسم بجوابه، وغير ذلك من طرق الربط ووسائله التي استعانت بها العربية في نسج أبنيتها وتراكيبها.
و يمكن أن يستثنى من ذلك ما قدمه ابن هشام من خلال كتابه: مغني اللبيب ( الباب الرابع/ 647 – 653)؛ حيث خصص من خلال حديثه عن الجملة حيزا مهما عن الربط بالضمير، فذكر مواضع الربط عن طريقه في الجملة، كما تحدث عن روابط جملة الخبر. وقلة من النحاة تحدثوا عن الربط عن طريق الحروف وعلى رأسهم ابن يعيش.
وفي هذا المجال يقول أحد الدارسين: ((ولم ينظروا إلى موضوع مختلف الروابط كموضوع في حد ذاته، ولم يدرس في جميع الحالات بالرجوع إلى الجملة من حيث هي وحدة الكلام وقاعدته ومن حيث إن هذه الروابط لا تتجلى قيمتها إلا داخل الجملة، فبعضها درس في نطاق دراسة عدد من الجمل كالضمائر والفاء التي تعرف بالرابطة للجواب، والبعض درس في نطاق الأدوات كحروف الجر وحِروف العطف، والبعض الآخر درس باعتباره عوامل لها تأثير في حركات الكلمات الموالية لها كأدوات النصب... ولئن كان هذا  التشتت في دراسة طرق الربط يمكن تبريره بالغاية التعليمية التي ترمي إليها كل المؤلفات النحوية القديمة، وإن طالت واتسع نطاقها، فليس من شأنه أن يعين على الإلمام بهذا المظهر من مظاهر التراكيب العربية )).(2)
وقبل الحديث عن موضوع الربط عند ابن هشام، وعند غيره  من النحاة - وهو موضوع ركز فيه النحاة على الجانب اللفظي أكثر من غيره من الوسائل الأخرى– يمكن الإشارة إلى بعض الوسائل التي كان  لها دور في ترابط أجزاء  الجملة؛ وهي وسائل معنوية لا تقل أهميتها  في الربط عن أهمية الروابط اللفظية، بل قد تكون هي الأساس في الربط، وما جاء من صور لفظية له، يعد انعكاسا أو تجسيدا لها.
          ومن تلك الوسائل؛ الإسناد، و الرتبة، والعلامة الإعرابية. أما الإسناد فكان يمثل في نظر النحاة الأساس الذي لا يمكن أن تنعقد الجملة من دونه، وعلاقة الإسناد هي الأساس لكل العلاقات الأخرى، حيث لا تنشأ تلك العلاقات في الجملة إلا بوجود علاقة الإسناد، لذلك اهتم النحاة بهذه العلاقة مقارنة بغيرها، خاصة في الجملة الاسمية، حيث تحدثوا كثيرا عن الترابط بين عنصريها الإسناديين، سواء في الخبر المفرد أو الخبر الجملة، وفد عدَّ ابن هشام لجملة الخبر عشرةَ روابط تربطها بالمبتدأ، وخصها بمبحث خاص، في مقابل أحد عشر رابطا لكل مواضع الربط الأخرى في العربية، كما سيأتي لاحقا.
والإسناد لا يكون إلا في وجود الجملة، والجملة لا تكون جملة إلا بالإسناد، فالإسناد الجملي هو الرابطة المعنوية الكبرى، ولو جرِّد الكلام من الإسناد لصار كالأصوات التي ينعق بها غير معربة كما يقول الزمخشري في أثناء حديثه عن المبتدأ والخبر: ((لأنهما لو جردا لا للإسناد لكانا في حكم الأصوات التي حقها أن ينعق  بها  غير معربة لأنّ الإعراب لا يستحق إلا بعد العقد والتركيب)).(3)
وقد عبر الرضي عن الإسناد بأنه رابطة، حيث يقول: (( وذلك لأنّ أحد أجزاء الكلام هو الحكم ، أي الإسناد الذي هو رابطة، ولا بدله من طرفين مسند ومسند إليه )).(4)
وعلاقة الإسناد هي علاقة معنوية تربط بين المسند إليه والمسند – كما يرى أغلب الدارسين – فهي بؤرة الجملة أو نواتها في أبسط صورها إلى أن تتسع وتتعقد بإنشاء علاقات أخرى، فتحتاج إلى ما يربط تلك العلاقات بالنواة الأولى للإسناد، فتلجأ اللغة حينئذ إلى اصطناع طرق ووسائل تجسدها الروابط اللفظية، من أجل توثيق عرى الاتصال بينها، وإبعاد أي لبس أو غموض قد يكتنفها.
وما دامت علاقة الإسناد علاقة معنوية غير منطوق بها قد تحتاج كذلك، إلى ما يدعمها ويقوي لحمتها، من قرائن لفظية تخص الجملة والعناصر المكونة لها، مما يعين على تحديد نوع الجملة إذا كانت اسمية أو فعلية، والشروط الواجب توفرها في كل عنصر من عناصر بنائها، كالمطابقة في النوع والعدد والتعيين والإعراب، وكذلك الرتبة، لمعرفة البنية الأساسية لكل جملة في ترتيب عناصرها. وتلك القرائن مهمة جدا، كما يقول – د . تمام حسان – في إيضاح المعنى الواحد للجملة، وهي ما صار يعرف عنده بنظرية ( تضافر القرائن).(5)
أما مسألة الرتبة في الجملة العربية فكانت من الأمور التي اهتم بها النحاة القدامى في أبحاثهم؛ وذلك عندما حاولوا تحديد بنية الجملة الأساسية من خلال العناصر المكونة لها، وأهمية تلك العناصر في بنائها، إذا كانت أساسية أو مُتمِّة ( عُمَد أو فضلات ) ـ حسب تعبير النحاة ـ ، وذلك بالنظر في مواقعها ورتبها، وحالاتها الإعرابية؛ والعلامات الدالة على تلك الحالات، وكذلك ما قد يطرأ على تلك العناصر من أحوال عارضة تخرجها من صورتها الأصلية إلى صورة يتطلبها الحدث اللغوي العام أحيانا، ولكن خروجها لا يؤثر على نظام البنية الأساسية ( البنية العميقة )؛ لأنه يظل ممثلا لمواقع تلك العناصر وحافظا لترتيبها إذا عدلت عن الأصل.
وقد تتضافر الرتبة والعلامة الإعرابية في إحداث الترابط بين عناصر الجملة ودفع كل لبس أو غموض قد يكتنفها، وهذا ما تطرق إليه - ابن يعيش- حين تحدث عن أهمية الإعراب في الإبانة عن المعاني، والتوسع في التقديم والتأخير، وعن تعاون العلامة الإعرابية مع الرتبة في توضيح العلاقة اللغوية، ودفع اللبس والغموض عنها، وذلك في حال اختفاء العلامة الإعرابية أو تعذرها، ويكون ذلك التعاون، سواء في حال تقييد الرتبة والتزامها، أو في حال الاتساع بالتقديم والتأخير، إذا توفرت القرائن. وذلك التعاون يمثل وسيلة من وسائل الترابط، حيث يقول ابن يعيش في ذلك: (( والإعراب الإبانة عن المعاني  باختلاف أواخر الكلم لتعاقب العوامل في أولها، ألا ترى أنك لو قلت: ضرب زيدْ عمرْو، بالسكون من غير إعراب، لم يعلم الفاعل من المفعول، ولو اقتصر في البيان على حفظ المرتبة فيعلم الفاعل بتقدمه، والمفعول بتأخره، لضاق المذهب، ولم يوجد من الاتساع بالتقديم والتأخير، ما يوجد بوجود الإعراب، ألا ترى أنك تقول: ضرب زيدٌ عمْرًا، وأكرم أخاك أبوك، فيعلم الفاعل برفعه والمفعول بنصبه، سواء تقدم أو تأخر، فإن قيل فأنت تقول: ضرب هذا هذا، وأكرم عيسى موسى، وتقتصر في البيان على المرتبة، قيل: هذا شيء قادت إليه الضرورة هنا، لتعذر ظهور الإعراب فيهما، ولو ظهر الإعراب فيهما أو في أحدهما أو وجدت قرينة معنوية أو لفظية جاز الاتساع بالتقديم والتأخير، نحو: ضرب عيسى زيدٌ، فظهور الرفع في ( زيد) عرَّفك أن ( عيسى ) مفعول، ولم يظهر فيه الإعراب، وكذلك لو قيل: أكل كمثرى عيسى، جاز تقديم المفعول لظهور المعنى لسبق الخاطر إلى أن الكمثرى مأكول، وكذلك لو ثنيتهما أو نعتهما أو أحدهما، جاز التقديم والتأخير، فتقول: ضرب الموسيان العيسيين، وضرب عيسى الكريم موسى، فحينئذ يجوز التقديم والتأخير في ذلك كله لظهور المعنى بالقرائن.))(6)
الروابط اللفظية للجملة ( الضمائر والحروف)

1- الربط عن طريق الضمير وما ينوبه:
أما حديث النحاة عن مختلف الروابط اللفظية فتكون بدايته مع ( ابن هشام ) لأنه -كما أشرنا – أول من أولى هذا الموضوع أهمية خاصة، حيث حاول حصر الروابط في العربية، ومواضع الربط فيها، وكان ذلك من خلال الجملة، فبقدر اهتمامه بها كان اهتمامه بروابطها؛ حيث تحدث عن روابط الجملة، كما تحدث عن الأشياء التي تحتاج إلى رابط من خلالها. ويمكن استعراض أهم ما جاء عنده وعند غيره في هذا المجال:
أ- مواضع الربط:وقد حصر ابن هشام مواضع الربط في أحد عشر موضعا، وهي(7):
الأول: الجملة المخبر بها، ويربطها بالمبتدأ عشرة أشياء، خصها بمبحث مستقل؛ سنعود إليه بالتفصيل لاحقا.
الثاني: الجملة الموصوف بها؛ ولا يربطها إلا الضمير؛ وقد يأتي ظاهرا، كما في قوله تعالى:{حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه}(الإسراء/93)، والرابط هنا هو الضمير في( نقرؤه)، العائد على الكتاب، وقد يأتي مقدرا؛ والمقدر إما مرفوعا، كما في الشاهد الشعري:
إنْ يقتُلوكَ فإنّ قتْلكَ لم يكنْ      عارًا عليكَ رُبّ قتلٍ عارُ
أي هو عار. وإما منصوبا، كما في هذا الشاهد الشعري:
أبحتَ حمِى تهِامةَ بعْد نجــدٍ          وما شيءٌ حميتَ بمُستباحِ
أي حميته. وإما مجرورا، كما في قوله تعالى:{واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا، ولا يقبل منها شفاعة، ولا يؤخذ منها عدل، ولا هم ينصرون} (البقرة/48)، والرابط في هذه الآية على تقدير(فيه) مكررة أربع مرات.(8)
الثالث: الجملة الموصول بها الأسماء؛ ولا يربطها غالبا إلا الضمير، وقد يأتي: ظاهرا، كما في قوله تعالى:{وفيها ما تشتهيه الأنفس} (الزخرف/71)، وقوله:{يأكل مما تأكلون منه}، والرابط هو الضمير في كليهما؛ في (تشتهيه) و (منه). أو مقدّرا، كما في قوله تعالى:((ويشرب مما تشربون)) المؤمنون/33. على تقدير: (منه).
ويرى ابن هشام أن الحذف في الصلة أقوى منه في الصفة، وفي الصفة أقوى منه في الخبر. وقد يربط جملة الصلة ظاهرٌ خلافا للضمير، كما في هذا الشاهد الشعري:
فيا رَبَّ ليلَى أنتَ في كلَِّ موطنٍ            وأنتَ الّذي في رحمةِ اللهِ أطمعُ
و التقدير: وأنت الذي في رحمته، بدلا من: رحمة الله، ويرى أن الربط بالظاهر مكان الضمير قليل.
          وقد قاس على هذا القليل قولَ الزمخشري، في قوله تعالى: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} (الأنعام/1)، الذي أجاز أن يكون العطف بـ (ثم) على الجملة الفعلية.
          ويرى ابن هشام أن ذلك ضعيف لأنه يلزمه أن يكون من قبيل القليل، لأن الأصل يكون (كفروا به)،  فيربط بالضمير في (به) بدل الظاهر في (بربهم)؛ لأن المعطوف على الصلة صلة، فلابد من رابط، إلا إذا كان العطف مقدرا على أول الآية(الحمد لله) وما بعده، فلا يكون هناك إشكال.(9)
                فالآية السابقة -في نظرنا- اشتملت على مجموعة من الروابط، بما فيها (ثم) التي تحدث عنها الزمخشري، والضمير الذي قدره ابن هشام، وتلك الروابط يمكن إظهارها على الشكل الآتي:

                   الحمد    لله        خلق   السموات  الأرض   جعل     الظلمات    النور   (بعض خلقه) كفروا    رب   يعدلون
    

  لِ       الذي   المطابقة     و          و       المطابقة     و           ثم    الذين(مطابقة)   ب       هم       المطابقة


          




             فالآية السابقة تتكون من سبع جمل جاءت مترابطة متراصة، جعلتها أدوات الربط كالجملة الواحدة، وقد تنوعت أدوات الربط في هذه الآية؛ من حروف الجر، إلى الموصول، إلى العطف، إلى الضمير، إلى المطابقة. و تلك الجمل هي:
1- الحمد لِلَّهِ: حرف الجر ((لـِ)) الذي حمل الحمد وأوصله لله _ والنحاة والبلاغيون يدرجون حروف الجر ضمن أدوات الربط والوصل، وسيفصل ذلك لاحقا _ والجملة هنا جملة اسمية.
2- الذي خلق السموات: وأصلها: الله خلق السموات؛ فتحول لفظ الجلالة (الله) إلى اسم موصول، ليوصل الجملة الثانية بالأولى، ويربطها بلفظ الجلالة فيها، حتى تكون الجملة الثانية صفة تابعة للمسند في الجملة الأولى، فتصير وكأنها على هذا النحو: ( الحمد لله الخالق) أي الذي خلق، ويلاحظ هنا دور الموصول في الربط. وجملة الموصول – كما يرى بعض النحاة – جيء بها للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل. ويضاف إلى الرابط الموصولي الربط عن طريق المطابقة بين الفعل وفاعله في النوع والعدد والشخص.
3- و(خلق) الأرض: ثم ربط هذه بسابقتها عن طريق واو العطف وحذف الفعل فيها لفظا، ولكنه مراد من ناحية المعنى، وقد دل عليه الفعل في الجملة المعطوف عليها، والحذف جائز في العربية إذا دل عليه دليل مقامي أو مقالي.
4- وجعل الظلمات: وقد ربطت هذه الجملة بما قبلها عن طريق العاطف وهو الواو، إضافة إلى الربط عن طريق المطابقة بين الفعل وفاعله، الذي هو (الله).
5- و(جعل) النور: والرابط فيها هو واو العطف، وقد عطف على الجملة السابقة، ويلاحظ أن الفعل لم يذكر في هذه الجملة، كما في الجملة الثالثة، لدلالة الفعل المذكور عليهما في الجملة الرابعة والجملة الثانية.
6- ثم الذين كفروا بربهم يعدلون: وهي تتكون من جملتين؛ جملة الصلة (كفروا)، وجملة الخبر (يعدلون) وكأنه قال: ثم بعض عباده كفروا بربهم وأشركوا به، وعلاقة هذه الجملة بالجمل السابقة تختلف، فالجمل السابقة جاءت متسلسلة ومترابطة عن طريق واو العطف وتحمل دلالة واحدة، وهي إظهار قدرة الخالق التي توجب له الحمد على ما خلق وما قدم لعباده. وقد أخرجت الجملة الأخيرة مما سبقها فعطفت بـ (ثم) ولم تعطف بالواو، لأنها لو عطفت بالواو لخرج المعنى عن مراده، ولأدى ذلك إلى الإيهام بخلاف المقصود، وكأن الله هو الذي جعل من كفروا يعدلون عن عبادته، تعالى الله عن ذلك. و قد أُخْرِجت الجملة الأخيرة بما تحمل لتكون في مقابل ما سبقها من جمل وما تحمل؛ أي مقابلة ما قدمه الخالق بجزاء من جحدوا، ومقابلة الإحسان بالإساءة، ومقابلة الحمد والشكر بالكفر والشرك، فتبًّا لمن جحدوا نعم الله. و( ثم ) العاطفة في هذه الآية – يبدو – أنها خرجت عن المعاني التي تؤديها؛ وهي: التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة؛ فهي لم تشرك ما بعدها في حكم  ما قبلها، ولا ترتيب بين ما عطفته وما عطفت عليه، والمهلة والتراخي هنا لا يستدعيها مقام الآية، لأن الجملة المعطوفة تتحدث عن الذين كفروا في كل زمان ومكان.
والمقارنة بين استخدام (ثم) في الآية السابقة، واستخدامها في الآية اللاحقة يوضح الفرق بين الاستخدامين في تأدية المعنى، وقد اجتمعت لـ (ثم) المعاني الثلاثة؛ التشريك في الحكم، والترتيب، والمهلة، في هذه الآية: { وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه } (السجدة/7 – 9) . وهذا بخلاف استخدامها في الآية السابقة، وقد أشبهت فيها ( ثم ) في قوله تعالى: { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم} (التوبة/ 118). وهناك رأي للأخفش والكوفييّن- أورده ابن هشام- رأوا فيه أنّ (ثم)  في الآية الأخيرة ليست عاطفة البتة، وأنها جاءت زائدة.(10)
ويمكن أن تكون (ثم) في قوله تعالى (ثم الذين كفروا) لترتيب الإخبار لا ترتيب الحكم،  ولا للمهلة،  إذ لا تراخي بين الإخبارين؛  الخلق،  والكفر،  أو يكون هناك تقدير؛ أي: ثم من بعد هذا كله يشرك الذين كفروا بربهم . فيكون ربطها هنا ربطا سياقيا بين إخبارين،  مدعما بالربط عن طريق إعادة الذكر (بربهم) ؛  أي بذكر الظاهر الذي يكون أحيانا أقوى في الدلالة من الضمير. فـ (بربهم) ما هي إلا إعادة ذكرٍ للفظ الجلالة (الله) في بداية الآية.
يقول – العكبري- في إعراب هذه الجملة الأخيرة من الآية: (( قوله تعالى: (بربهم) الباء تتعلق بـ (يعدلون) أي الذين كفروا يعدلون بربهم غيره، والذين كفروا مبتدأ، ويعدلون الخبر، والمفعول محذوف. ويجوز على هذا أن تكون الباء بمعنى عن، فلا يكون في الكلام مفعول محذوف، بل يكون يعدلون لازما: أي يعدلون عنه إلى غيره، ويجوز أن تتعلق الباء بكفروا فيكون المعنى: الذين جحدوا ربهم ما ئلون عن الهدى)).(11)
الرابع: الجملة الواقعة حالا؛ ورابطها إما الواو أو الضمير أوكلاهما.(12) فالواو، نحو قوله تعالى: {لئن أكله الذئب ونحن عصبة} (يوسف/14). والضمير نحو قوله: { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّة} (الزمر/60). والواو والضمير معا، نحو قوله: { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} (النساء/43).  
الخامس: الجملة المفسرة لعامل الاسم المشتغل عنه.(13) نحو: زيدا ضربته، أو ضربت أخاه. وتحتاج الجملة المفسرة لعامل الاسم المشغول عنه إلى رابط يربطها به، وهو الضمير في (ضربته) أو في (أخاه). وعامل الاسم المشغول عنه محذوف في رأي النحاة – يفسره الفعل المذكور، على تقدير: ضربت زيدا ضربته، أو ضربت زيدا ضربت أخاه. وكل ذلك لا دليل عليه؛ أي لا دليل على وجود عامل محذوف يفسره المذكور، وما المنصوب المتقدم إلا معمول للعامل المذكور المتأخر عنه.
السادس والسابع: جملة بدلي البعض والاشتمال، ولا يربطها إلا الضمير؛ وقد يكون ظاهرا كما في قوله تعالى: { ثم عمُوا وصمُّوا كثيرٌ منهم} (المائدة/71) فـ ( كثير) هنا بدل اشتمال من الواو في (صَمُّوا)، والرابط هو الضمير في ( منهم). وقد ذكر ابن هشام وجها واحدا في إعراب (كثير) في هذه الآية، وهو الوجه المشهور في إعرابها عند النحاة، وهناك وجوه أخرى في إعرابها وهي: أنّ (كثير) خبر مبتدإ محذوف؛ أي العمي والصُمُّ كثير، وقيل هو مبتدأ والجملة قبله خبر عنه؛  أي كثير منهم عموا وصمّوا. وقيل الواو علامة جمع لا اسم ،  وكثير فاعل صموا.(14) والوجه الأخير هو الأقرب – في رأينا – للصواب، أما الوجوه الأخرى فمجرد افتراضات لجأ إليها النحاة لتستقيم لهم القاعدة النحوية، لأنّ هذه اللغة وردت في بعض لهجات العرب، وفي أشعارهم، وهي شائعة في اللغات السامية أخوات العربية .(15)
ومما ذكر، أيضا، في البدل قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام فتالٍ فيه} (البقرة/217 ) ،  فكلمة (قتال) بدل اشتمال من الشهر، والرابط هو الضمير في (فيه).
وقد يأتي الضمير الرابط مقدرا، كما في قوله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران/97 ) أي: من استطاع (منهم). ومنه قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود} (البروج/4–5) أي: (فيه)، وقيل: إنّ (أل) في (النار) نابت عن الضمير؛ أي: ناره.
و يرى ابن هشام أن بدل الكل لم تحتج إلى رابط؛ لأنه نفس المبدل منه في المعنى، وأنه مثله في ذلك مثل الجملة التي هي نفس المبتدأ، لا تحتاج إلى رابط لذلك.(16)
الثامن: معمول الصفة المشبهة؛ ولا يربطه أيضا إلا الضمير، إما ظاهرا، نحو: زيد حسنٌ وجهَهُ، أو وجهًا منه. و إما مقدرا، نحو: زيد حسنٌ وجهًا؛ أي: منه. وقد اختلفوا في نحو: زيد حسنٌ الوجهُ، بالرفع، فقيل التقدير: منه. وقيل (أل) نابت عن الضمير.(17)
التاسع: جواب اسم الشرط المرفوع بالابتداء، ولا يربطه كذلك إلا الضمير.  ويكون إما ظاهرا ،  نحو قوله تعالى: { فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه} (المائدة/115). وهو الضمير في (أعذبه). وإما مقدرا أو منوبا عنه كما في قوله تعالى: { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } (البقرة/197). فالمقدر نحو: منه،  أي: في الحج منه، أما المنوب عنه: فنيابة (أل) عن الضمير في (الحج)، والأصل في حجه.(18)
العاشر: العاملان في باب التنازع؛ وهناك أوجه للارتباط بينهما؛ إما عن طريق العاطف، كما في: قاما وقعد أخواك.  أو عمل أولهما في ثانيهما، نحو قوله تعالى: {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} (الجن/4). أو كون ثانيهما جوابا للأول، جوابية شرط، نحو قوله تعالى: {تعالوا يستغفر لكم رسول الله} (المنافقون/5). ونحو قوله: {آتوني أفرغ عليه قطرا} (الكهف/96). أو جوابية سؤال،  نحو قوله: { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} (النساء/176).(19)
إن التنازع – في عُرْف النحاة – عبارة عن توجه عاملين إلى معمول واحدٍ، كما في الأمثلة السابقة، ويتنازعان في اجتلاب ذلك المعمول إليهما؛ كلٌ يريده معمولا له، وقد اختلف النحاة في نسبته إلى العامل الأول أو الثاني، فذهب البصريون إلى أن الثاني أولى به؛ لقربه منه، وذهب الكوفيون إلى أن الأول أولى به؛ لتقدّمه. وإذا أعمل أحدهما في الاسم الظاهر، أهمل الآخر ، ولا يعمل المهمل إلا في ضمير ذلك الظاهر. فإذا قيل: يحسن ويسئ  ولداك، كلاهما يطلب ( ولداك) بالفاعلية، فإن أعمل الثاني، وجب إضمار الفاعل في الأول، فيقال: يحسنان و يسيء ولداك، ويعكس ذلك إذا أعمل الأول؛ فيقال: يحسن ويسيئان ولداك، ولا يجوز في رأيهم ترك الإضمار كما في: يحسن ويسيء ولداك؛  لأن تركه يؤدي إلى حذف الفاعل؛ وحذف الفاعل لا يجيزونه. وقد أورد ابن عقيل أنّ الكسائي أجاز ذلك على الحذف، بناء على مذهبه في حذف الفاعل،  كما أورد أنّ الفراء أجاز تَوَجُّهَ العاملين معا إلى الاسم الظاهر. ومن أجاز الحذف، أو أجاز عمل العاملين معا في الاسم الظاهر، منع الإضمار في الأول عند إعمال الثاني، وبناء على ذلك فلا يقال:  يحسنان ويسيء ولداك. بل يقال: يحسن ويسئ ولداك.(20)
هذا باختصار أهم ما قيل في باب التنازع، وهو باب يحتاج إلى وقفة لمناقشة النحاة من خلالها في وجود هذا الباب من أصله. فالتنازع تصور عقلي محض، لا يقوم عليه دليل، ولا يسنده واقع لغوي. و الأمثلة التي جاءوا بها – على قلتها، وأكثرها من الشعر – لا تمثل صورة لهذا التنازع، وطريقة تفسيرهم لها لا تفك اشتباكا، ولا تنهي تنازعا. والنحاة في ذلك سواء، لا يختلف الأمر فيما جاءوا به، مادام الإقرار بهذا الباب موجودا، ولا يهم بعد ذلك كيف توصلوا إلى إنهاء  هذا التنازع، بقدر ما يهم وجود هذا التنازع نفسه.
ومناقشة بعض الأمثلة التي جاءوا بها تؤكد ما ذهبنا_ وذهب غيرنا- إليه. و قبل ذلك يمكن طرح السؤال الآتي: ما الفرق بين الجمل الآتية:
1- قام وقعد زيد 2- قام زيد وقعد 3- زيد قام وقعد.
فالجملة الأولى درست ضمن باب التنازع، والثانية درست ضمن عطف المفرد على المفرد، وكذلك الثالثة. و الجمل الثلاثة – في رأينا – لا تختلف عن بعضها في مبناها ومعناها؛ فزيد هو الفاعل للقيام والقعود فيها، سواء في الأولى أو الثانية أو الثالثة. و لا يهم إن تأخر عن فعليه أو توسط بينهما أو أعقبهما، فهو الفاعل المسند إليه القيام والقعود في كل الأحوال. و الجُمَلُ الثلاثُ هي جمل فعلية بما فيها الجملة الثالثة التي أخرجت قصرا من الفعلية إلى الاسمية.  والفرق الوحيد بينها هو في التقديم والتأخير. فالأصل في الجمل الثلاث هو:
1- قام (زيد) وقعد زيد
2- قام زيد وقعد (زيد)
3- زيد قام و(زيد) قعد؛ على التقديم والتأخير.
و لكونِ فاعلِ الفعلين في الجمل الثلاث واحدا تم اختصاره، وحتى لا يكون هنا تكرار- والعربية تأبى ذلك- حذف أحد الفاعلين، وترك الآخر دليلا عليه. و كما لا يصح أن يكون للفعل فاعلان، كذلك لا يصح أن يكون للفاعل فعلان في آن واحد؛ فزيد قام بالقيام وقام بالقعود، ولكنهما في زمنين مختلفين؛ أي: زيد قام ثم قعد، أو العكس. فالجملة الأولى هي من قبيل الجملة الثانية والثالثة، ولا تنازع بين عامليها على الشكل الذي قُدِّم. و الجُمَل الثلاث، كذلك من قبيل عطف الجملة على الجملة.
أما الأمثلة التي أوردها ابن هشام، وقد أوردها غيره، فيمكن إخراجها من باب التنازع إلى وجوه نحوية أخرى يستقيم من خلالها المعنى النحوي والدلالي معا، فأما المثال الأول: قاما وقعد أخواك، فأغلب الظن أنّ النحاة اصطنعوه، كما اصطنعوا كثيرا من الأمثلة لتستقيم لهم القاعدة النحوية. و لا يوجد ما يشابه هذا المثال في نصوص اللغة شعرا أو نثرا فيما هو متاح بين أيدينا من أمثلة استشهدوا بها على هذا الباب. و إنما يوجد ما يشبهه من دون إضمار،  مثل: قام وقعد زيد.  وقد أبدينا رأينا في هذا المثال سابقا.
وأما قوله تعالى: { وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا} (الجن/4) فلا تنازع هنا، و(سفيهنا) هي فاعل لـ(يقول)،  و(كان) ضميمة زمنية تدخل عادة على المضارع فتحوله من الحاضر إلى الماضي المطلق، مع بقاء صيغته الفعلية كما هي. وهي وسيلة من الوسائل التي اتبعتها العربية في التعبير عن الزمن بشكل مركب بين ضميمتين،  ويكون ذلك في الإيجاب،  ويقابله في السلب دخول ( لم ) على المضارع فتقلبه من الحاضر إلى الماضي.
أو يكون الأصل فيها: { وأنه كان سفيهنا يقول على الله شططا} فتصبح كلمة (سفيهنا) اسم كان وجملة: ( يقول على الله شططا) خبرها. وفي الحالتين لا تنازع بين الفعلين.
أما قول تعالى: { تعالوا يستغفرْ لكم رسول الله} (المنافقون/5) فالجملة طلبية و(يستغفر) وقع في جواب الأمر فجزم،  وهذا نوع من أنواع الربط و(رسول الله) فاعل لـ(يستغفر) والمعنى: تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم،  أو تعالوا ليستغفر لكم رسول الله.  فالاستغفار في الحالين من الرسول وإليهم؛  أي: ( أنتم تعالوا + يستغفر رسول الله لكم).  فأي تنازع بين الفعلين؟
وأما قوله: {آتوني أفرغ عليه قطرا} فلَعَلَّ ( آتوني) الأولى تفسر (آتوني) الثانية في الآية نفسها، وهي: {آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} ( الكهف / 96 )والوجوه التي يمكن أن تحتملها الآية هي:
1- آتوني قطرا أفرغ عليه. و(قطرا) مفعول(آتوني)، ومفعول (أفرغ) محذوف. و التقدير: (أفرغه).
2- آتوني أفرغ قطرا عليه. و(قطرا) مفعول (أفرغ)، ومفعول (آتوني) محذوف.
والتقدير: آتوني به، أو بزبر الحديد، أو زبر الحديد.
3- آتوني به قطرا أفرغه عليه. وقد تكون (قطرا) بمعنى مقطرا؛ فتكون حالا؛ لأنه قيل إنّ (قطرا) هنا بمعنى النحاس المذاب.
وهذه الوجوه تمنع  أن يكون  هناك  تنازع بين العاملين  على نصب (قطرا) في الآية،
ويرى الكوفيون  أنها مفعول (أفرغ) ومفعول (آتوني) محذوف،  و رأى غيرهم عكس ذلك.(21)
أما قوله تعالى: { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} ( النساء/ 176) فلا تنازع هنا – في رأينا -  على الكلالة، بين يستفتونك ويفتيكم ؛ لأن التقدير من سياق الكلام؛ هم يستفتونك عن الكلالة، قل الله يفتيكم فيها. وهذا ما رآه ابن كثير في تفسيره، حيث يقول: ((وكأن معنى الكلام والله أعلم يستفتونك عن الكلالة (قل الله يفتيكم) فيها فدل المذكور على المتروك)).(22)
و خلاصة القول في هذا الباب أنه لا تنازع في اللغة، وإنما قد يكون هنا تنازع في تفسيرها. فاللغة تلجأ دائما إلى درء أي لبس أو غموض أو ما يوهم خلاف المقصود عن طريق قرائن وأساليب تمنع ذلك. والأمثلة التي أوردها النحاة في باب التنازع يمكن توجيهها عن طريق قرائن لفظية أو معنوية توجيها نحويا صحيحا، يجعلنا نخرج بعض الأبواب كالتنازع والاشتغال، من النحو العربي؛ لأنها أبواب مصطنعة. وهذا ما دعا إليه عدد من الدارسين القدامى والمحدثين.(23)
الحادي عشر: ألفاظ التوكيد الأُوّل.(24) ويربطها الضمير الملفوظ به، نحو: جاء زيد نفسه، و الزيدان كلاهما، والقوم كلهم.
و قد رد ابن هشام على بعض من رأوا أن لفظ (جميع) و(كل) قد ترد للتوكيد دون رابط، في مثل: جاء القوم جميعًا؛ فتكون للحال إذا نصبت، وتكون للتوكيد إذا رفعت: جاء القوم جميعٌ. و منه قوله تعالى: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} (البقرة/29)، لمن جعل (جميعا) توكيدا لـ (ما). حيث يرى أنه لو كان ذلك كذلك، لقيل: جميعهُ، ثم التوكيد بـ (جميع) قليل، فلا يحمل عليه التنزيل، والصواب أنه حال، أما مجيء لفظ (كل) على النصب في قراءة بعضهم { إنّا كلاًّ فيها} (غافر/48). فهناك من جعلها توكيدا، وابن هشام يرى أن صوابها بدل من ضمير الحاضر في (إنّا)، وبدل الكل لا يحتاج إلى ضمير رابط. وضعف تخريج – ابن مالك – لها على الحال، من جهتين: تنكير(كل) بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى، وهو نادر، وتقديم الحال على عاملها الظرفي.
وقد احترز ابن هشام بذكر ألفاظ التوكيد (الأُوَّل) عن (أجمع) وأخواته؛ لأنها تؤكد بعد كل، على نحو قوله تعالى: { فسجد الملائكة كلهم أجمعون} (الحجر/30).
ب- روابط جملة الخبر:
أما روابط جملة الخبر، فقد خصها ابن هشام بمبحث مستقل، وحصر روابطها في عشرة مواضع، ولم يتحدث عن الرابط في الخبر المفرد، في هذا الموضع؛ لأنه موضع حديث عن ربط الجمل. والروابط هي:(25)
1- الضمير: وهو الأصل في الربط، وقد يأتي ظاهرا أو مقدرا، فالظاهر مثل: زيد ضربته، والعلم فضائله كثيرة. والمقدر مثل قول امرأة في وصف زوجها: وزوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب. والتقدير: المس منه، والريح منه. وهناك رأي آخر في الرابط في القول السابق، وهو أن (أل) في كلمتي (المس) و(الريح) نائبة عن الضمير، والأصل فيهما: (مسه) و(ريحه).
          وقد استشهد ابن هشام، كذلك، على الرابط المحذوف، بقوله تعالى: {إنَّ هذان لساحران} (طه/63). على تقدير: (لهما ساحران)(26). و قد اختلف النحاة في إعراب هذه الآية لكونها جاءت مخالفة للقاعدة، حيث جاء اسم (إنّ) فيها مرفوعا.
فهناك رأي يرى أن (إنّ) جاءت بمعنى (نعم) وما بعده مبتدأ وخبر، ورأي آخر يرى أنها تتضمن ضمير شأن محذوفا، وما بعدها مبتدأ وخبر، أي: (إنه هذان لساحران). ويرى –العكبري- أن كلا الوجهين ضعيف من أجل اللام التي في الخبر. والرأي الثالث للزجاج، ويرى فيه أن التقدير: لهما ساحران، ولكن المبتدأ حذف، أي: إن هذان لهما ساحران؛ وهو الرأي الذي وجه – ابن هشام – من خلاله الآية السابقة، والرأي الرابع: أن الألف في (هذان) هي علامة التثنية في كل حال؛ وهي على لغة من يلزمون الألف في التثنية في كل حالات الإعراب.(27)
والمرجَّح - في رأينا هو الرأي الرابع، ولا داعي لأن نحمل الآيات أكثر مما تحتمل، فالجملة في هذه الآية، جملة اسمية، وقد تحقق فيه الإسناد؛ وتحققت الدلالة المرجوة منها، وقد أُكِّد ذلك بمؤكِّدين اثنين، هما: إنّ واللام: ( إن ( مؤكِّد)+ هذان (مسند إليه) +لـَ (مؤكِّد ورابط) + ساحران (مسند)) ولا تهم بعد هذا الحركة الإعرابية التي هي مجرد قرينة لفظية من مجموعة من القرائن.  فمجيء (هذان) بالألف أو الياء لا تلغي عنها الإسناد،  في هذا الموقع، ولا تضيف لها شيئا يكمل إسنادها. وما حِرْصُ النحاة على تلك التأويلات والتخريجات إلا جري وراء الحركة الإعرابية وتأثير العامل، وكان يفترض أن يكفيهم في تحديد وظيفة الكلمة وإعرابها: رتبتها وموقعها الإعرابي وحالتها الإعرابية، ثم علامتها الإعرابية، التي قد تظهر أو لا تظهر.
فالرتبة يتحدد من خلالها الموضع الأصلي للعنصر في الجملة، كأن يقال: إن المبتدأ رتبته التقدم، والخبر رتبته التأخر عن المبتدأ، والفاعل رتبته التأخر عن فعله مثلا، وهكذا. أمّا التقديم والتأخير فلا يكون إلا بالنظر في البنية الأساسية التي يحددها النظام اللغوي لترتيب عناصر الجملة.
أما الموقع الإعرابي، فتتحدد من خلاله الوظيفة النحوية، فالفاعلية، مثلا، موقع إعرابي يشغله الفاعل، والخبرية موقع إعرابي يشغلها الخبر، وهي تشكل مع المبتدأ الذي يشغل وظيفة الابتدائية أو موقع الابتداء جملة معنية،  وهكذا. وكل موقع إعرابي معين له حالة إعرابية خاصة به؛  فالفاعلية حالتها الإعرابية هي الرفع، و المفعولية حالتها الإعرابية  هي النصب،  والإضافة حالتها الإعرابية هي الجر. و ما العلامة الإعرابية إلا دليل على الحالة الإعرابية،  وقد تظهر العلامة الإعرابية أو لا تظهر.(28) و ترجيح الرأي الرابع يمكن أن يسند برأي الزجاج، وهو الرأي الثالث، في كون الرابط في الآية هو الضمير المقدر (هما) بين المسند إليه والمسند.
2- الإشارة، وهي من روابط جملة الخبر،  ومن أمثلته(29)؛  قوله تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار} (الأعراف/36). وقوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات  لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة} (الأعراف/42).وقوله: {إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} (الإسراء/36).  وقوله: {ولباس التقوى ذلك خير} (الأعراف/26).
3- إعادة المبتدأ بلفظه، وهو رابط لفظي يتحقق من خلال إعادة ذكر الظاهر،  وأكثر ما يقع ذلك في مقام التهويل والتفخيم، ومنه قوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} (الحاقة/1–2)  وقوله: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} (الواقعة/27).
4- إعادة المبتدأ بمعناه، نحو: زيد جاءني أبو عبد الله، إذا كان (أبو عبد الله) كنية له.
5- عموم يشمل المبتدأ،  نحو: زيد نعم الرجل، فقيل الرابط إعادة المبتدأ بمعناه، وقيل بأن (أل) في فاعلي نعم و بئس للعهد لا للجنس، وهي رابطة.
6-أن يعطف بفاء السببية جملة ذات ضميرعلى أخرى خالية منه، أو العكس، ومن ذلك قوله تعالى: { ألم ترى أنّ الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة } (الحج/63). والشاهد الشعري: 
 وإنسان عيني يحسُرُ الماءُ تارةً    فيبدو، و تاراتٍ  يجمُّ  فيغرَقُ
7- العطف بالواو، نحو: زيد قامت هند وأكرمها، ومثل: زيد قام وقعدت هند. بناء على أن الواو للجمع . و يبدوا أنّ هذه الأمثلة مصطنعة – خاصة المثال الأول – فلا دليل عليها في نصوص اللغة.
8- شرط يشتمل على ضمير مدلول على جوابه بالخبر، نحو: زيدٌ يقوم عمرٌو إن قام.
9- (أل) النائبة عن الضمير، وهو قول الكوفيين، وطائفة من البصريين، ومنه قوله تعالى : {فإنّ الجنة هي المأوى} (النازعات/41). والأصل: هي مأواه. وهناك من يقدرها: هي المأوى له.
10- كون الجملة نفس المبتدأ في المعنى(30)، ومنه قولهم: هجِّيرى أبي بكر لا إله إلا الله. و من هذا أخبار ضمير الشأن والقصة، نحو قوله تعالى: { قل هو الله أحد} (الإخلاص/1). وقوله: {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} (الأنبياء/97).
هذه هي الصورة التي تعرض من خلالها ابن هشام  لموضوع الربط، وكان في كل ذلك جامعا لما تفرق في كتب النحاة السابقين له من آراء واختلافات، وكان له فضل السبق في ذلك. و لكنه لم يحصر مواضع الربط وطرقه وأدواته حصرا شاملا،  وقد يعود ذلك إلى أن مفهوم الربط لم يكن محددا لدى النحاة حتى يحصروا مواضعه، ويقتفوا سبله ومسالكه.  
كما أنه من اللافت فيما أورده ابن هشام، أنه لم ينتفع بما جاء به بعض المتقدمين، وبعض من عاصروه، من ملاحظات هامة في موضوع الربط،  يمكن أن تضاف إلى ما أورده، فيتكون من خلال ذلك رؤية شاملة لموضوع الربط في العربية.
2- دور الحروف في الربط عند النحاة:
إنّ الربط لا يكون عن طريق الضمير أو ما ينوبه فحسب، بل هناك دور مهم للحروف وبعض الأدوات في عملية الربط. وقد أشار ابن هشام إلى ذلك في أحد تعريفاته، عندما عدَّ الحرف رابطا، حيث يقول في حديثه عن معاني الكلم التي حصرها في ثـلاثة أنـواع هـي: (( ذات، وحدث، ورابطة للحدث بالذات؛ فالذات الاسم، والحدث الفعل، والرابطة الحرف)).(31)  لكنه لم يعط أهمية للربط عن طريق الحرف إلى جانب الضمير كما فعل الآخرون.
وقد عدَّ الزجاجي الحرف رابطا في حديثه عن أقسام الكلم؛ الاسم والفعل والحرف، حيث يقول: (( ويسمى القسم الثالث حرفا لأنه حدٌّ ما بين هذين القسمين ورباط لهما)).(32)
كما جاء في اللسان: (( والحرف: الأداة التي تسمى الرابطة؛ لأنها تربط الاسم بالاسم والفعل بالفعل، كعن وعلى ونحوهما)).(33)
وقد تنبه قبل ذلك ابن السراج (ت 316هـ) وآخرون، عند حديثهم عن استخدامات الحروف في اللغة. فقد حصر ابن السراج استخدامها في ثمانية مواضع – كما أورد عنه السيوطي-؛  منها أنها  تستخدم في الربط كأدوات العطف، وأدوات الجر،  وأدوات الشرط؛ ولذلك من المهام المنوطة بالحرف  أنه جاء: (( ليربط اسما باسم  أو  فعلا بفعل،  كواو العطف  نحو: جاء زيد و عمرو،  وقام وقعد،  أو فعلا باسم: كمررت  بزيد،... أو يربط جملة بجملة نحو: إنّ يقمْ زيد يقعدْ عمرو)).(34)
          كما يرى ابن يعيش أن الحرف دخل الكلام ليفيد ثلاثة أشياء؛ إما لإفادة معنى فيما يدخل عليه، أو لتعليق لفظ بلفظ آخر وربطه به، أو زائدا لضرب من التأكيد. و يكون الحرف للرّبط في أربعة مواضع هي: ((أحدها:  أن يدخل لربط اسم باسم وهو العطف، نحو قولك: جاء زيد وعمرو،  الثاني: أن يدخل لربط فعل بفعل نحو: قام زيد وقعد.  الثالث: أن يدخل لربط فعل باسم نحو قولك: نظرت إلى زيد، وانصرفت عن جعفر، وهو معنى التعدية، الرابع: أن يدخل لربط جملة بجملة نحو قولك: إن تعطني أشكرْك، وكان الأصل: تعطيني أشكرك، وليس بين الفعلين اتصال ولا تعلق، فلما دخلت إنْ علقت إحدى الجملتين بالأخرى وجعلت الأولى شرطا والثانية جزاء))(35)
وعندما يتحدث – ابن يعيش- عن أسلوب القسم يعدّ الحروف الداخلة على جواب القسم من الروابط، حيث يقول: (( اعلم أنه لما كان كل واحد من القسم والمقسم عليه جملة، والجملة عبارة عن كل كلام مستقل قائم بنفسه، وكانت إحداهما لها تعلق بالأخرى، لم يكن بد من روابط تربط إحداهما بالأخرى، كربط حرف الشرطِ الشرطَ بالجزاء))(36)
وهناك من المتأخرين من ساروا على درب ابن السراح وابن يعيش في إعطاء الحروف دورا بارزا في عملية الربط، حيث عدّوا أدوات العطف، والجر، والشرط، وبعض الأدوات الأخرى،  من الروابط، ولم يقتصروا على الضمير أو ما ينوبه كما ورد عند ابن هشام.
وقدأورد السيوطي عن- أبي الحسن بن أبي الربيع (ت: 688 هـ) في (شرح الإيضاح)- أنه قسم الحروف إلى عشرة أقسام، منها ثلاثة أقسام للربط،  حيث يقول: (( الثالث:  أن يكون رابطا بين اسمين أو فعلين وهي حروف العطف. الرابع:  أن يكون رابطا بين فعل واسم، وهي حروف الجر. الخامس: أن يربط بين جملتين وهي الكلم الدالة على الشرط )).(37)
كما أورد السيوطي- عن ابن فلاح في (مغنيه)- قوله: (( الحرف يدخل إما للربط،  أو للنقل أو التوكيد،  أو للتنبيه،  أو للزيادة،  ويندرج تحت الربط حروف الجر،  والعطف،  والشرط،  والتفسير والجواب والإنكار، والمصدر؛ لأن الربط هو الداخل على الشيء لتعلقه بغيره)).(38) 
وفيما يلي يمكن التطرق إلى دور الحروف في الربط من وجهة نظر النحاة، بشيء من التفصيل، وذلك من خلال الحديث عن دور حروف العطف، وحروف الجر، وأدوات الشرط،  وحروف جواب القسم، وحروف التفسير والجواب، في ربط الكلام. كما يمكن التطرق إلى استخدامهم لمصطلح ( الوصلة) إلى جانب مصطلح ( الربط) في حديثهم عن مختلف الروابط.
أولا- دور حروف العطف في الربط:
فالعطف هو نوع من أنواع الربط في نظر عدد من النحاة، جاء ليربط مفردا بمفرد أو جملة بجملة،  ولكن هناك من قسمه إلى ثلاثة أضرب؛ وهي: عطف اسم على اسم إذا اشتركا في الحال،  مثل:  قام زيدٌ وعمروٌ، ولا يصح العطف على شيئين لا جامع بينهما، مثل: أكل زيدٌ والشمسُ،  لأن الأكل لا يكون من الشمس، وعطف فعل على فعل، إذا اشتركا في الزمان، مثل: قام زيدٌ وقعد، ولو قيل: قام زيدٌ و يقعد، لم يجز لاختلاف زمانهما. و عطف جملة على جملة، مثل: قام زيد ٌ وخرج بكرٌ،  وزيدٌ منطلقٌ،  وعمروٌ ذاهبٌ.
و المراد من عطف الجملة على الجملة – كما يرى ابن يعيش – هو ربط إحدى الجملتين بالأخرى، والإيذان بحصول مضمونها. حيث يقول: ((والغرض من عطف الجمل ربط بعضها ببعض واتصالها، والإيذان بأن المتكلم لم يرد قطع الجملة الثانية من الأولى، والأخذ في جملة أخرى ليست من الأولى في شيء، وذلك إذا كانت الجملة الثانية أجنبية عن الأولى غير ملتبسة بها، وأريد اتصالها بها، فلم يكن بد من الواو لربطها بها، فأما إذا كانت ملتبسة بالأولى، بأن تكون صفة نحو: مررت برجل يقوم، أو حالا نحو: مررت بزيد يكتب، ونحوها، لم تحتج إلى الواو))(39)
كما يرى أنّ الغرض من عطف المفرد على المفرد هو اختصار العامل، وإشراك الثاني في تأثير العامل الأول، وذلك إذا قيل: قام زيدٌ وعمروٌ، فالمقصود: قام زيدٌ، قام عمروٌ، فحذفت (قام) الثانية،  لدلالة الأولى عليها، ولتبقى الأولى عاملة في المعطوف و المعطوف عليه.
وقد اختلف النحاة في العامل في المعطوف، فذهب سيبويه وجماعة من البصريين إلى الرأي السابق؛ وهو أن العامل في المعطوف، هو العامل في المعطوف عليه، وأن حرف العطف دخل بمعناه، وأشرك بينهما. وهناك رأي آخر ذهب إلى أن العامل في المعطوف هو حرف العطف؛ لأن حرف العطف إنما وضع لينوب عن العامل، ويغني عن إعادته، فيقوم مقامه في الرفع والنصب والجر، وهو رأي ابن السراج. وذهب قوم آخرون إلى أن العامل في المعطوف هو الفعل المحذوف بعد الواو؛ لأن الأصل في مثل: أقبل محمدٌ وعلىٌ؛ أقبل محمدٌ، وأقبل عليٌ. لكنّ الفعل حذف بعد الواو لدلالة الأول عليه، وكانت حجة هؤلاء أنه يجوز إظهاره، فكما أنه إذا ظهر كان هو العامل، فكذلك يكون هو العامل إذا كان محذوفا من جهة اللفظ، مرادا من جهة المعنى. وهو رأي أبي علي الفارسي، ورأي ابن جني.(40)
إنّ أقرب الآراء إلى الصواب – في رأينا – هو الرأي الأخير، وأن العامل في المعطوف محذوف، لدلالة الأول عليه، فلا حاجة لذكره، ما دام الكلام يستقيم بغيره. والعربية تجيز الحذف، إذا دل عليه دليل مقامي أو مقالي، والدليل المقامي موجود. وما عبارة ابن يعيش ( اختصار العامل) إلا تأكيد على ذلك. و العاطف هنا جاء للتّجانس في اللفظ والمعنى والحكم الإعرابي بين المتعاطفين، والجمع بينهما في الوجود والحصول، فإذا قيل: جاء زيد وعمرو؛ يكون ذلك اختصارا لـ: جاء زيد وجاء عمرو، حتى لا يكون هناك تكرار لفعل المجيء، مادام الأول يدل على الثاني. فهناك تجانس في لفظ الفعل (جاء) وتجانس في معنى (المجيء) الذي تحقق لزيد وعمرو. وتجانس في الحكم الإعرابي بين الفعلين وفاعليهما. و هذا التجانس هو الذي يفهم من قول النحاة: الاشتراك في الحال أو وجود العلة الجامعة.
وما قيل في الجملة الأولى، جاء زيد وعمرو، يمكن أن يقال في الجملة الثانية: قام زيد وقعد؛ فالجملتان من عطف المفرد – كما يرى النحاة –  فالأولى: من عطف الاسم على الاسم: وقد اتحد فيها العاملان في المعطوف عليه و المعطوف، واختلف فاعلاهما. والثانية: من عطف الفعل على الفعل؛ وقد اختلف فيها العاملان مع اشتراكهما في الزمان، والفاعل واحد. وقد حذف المكرر في الجملتين؛ فحذف عامل المعطوف في الجملة الأولى، وحذف الفاعل في المعطوف في الجملة الثانية، وحذفهما كان بوجود دليل مقالي في المعطوف عليه. أمّا إذا لم يكن هناك جامع بين المتعاطفين، كالاشتراك في الحال أو في الزمان، فإنه لا يجوز عطف أحدهما على الآخر، وكمثال على ذلك، لو قيل: نام زيد والحجر، أو جلس زيد ويخرجُ، لم يجز.
وأما إذا اختلف الفعل والفاعل في كليهما؛ أي: في المعطوف عليه و المعطوف، فإن الحذف لايجوز، في مثل: قام زيد وخرج بكر، والمثال من عطف الجمل، و لو فرضنا حذف الفعل أو الفاعل من الجملة المعطوفة، لأدّى ذلك إلى اللبس والإيهام بخلاف المقصود، ولصارت الجملة من قبيل عطف المفرد على المفرد. ثم إن الحذف لا يسمح به لعدم وجود الدليل، و لا حذف من غير دليل، ومن ذلك عطف الجملة الاسمية، في مثل: زيد منطلق و عمرو ذاهب.
ومما سبق يمكن أن نصل إلى أنّ العطف في العربية، بشكل عام، هو عطف جمل، ولا وجود لعطف المفردات، وإن وجدت فذلك في الظاهر، حتى إذا أعيدت إلى أصولها، وقدر المحذوف، صارت جملا، وهذا ما لوحظ في عطف المفرد على المفرد، في الأمثلة السابقة.
واختلاف النحاة في العامل في المعطوف يؤكد هذه المسألة لا ينفيها، سواء من رأوا في العطف اختصارا للعامل، أو من أنابوا عنه حرف العطف، أو من رأوا أنه محذوف من جهة اللفظ ومراد من جهة المعنى.
و لو عدنا إلى الأمثلة التي استشهدوا بها على العطف في المفرد، وأعدناها إلى أصولها، لوجدنا أنها لا تختلف عن عطف الجمل. والفارق الوحيد بينهما هو حذف أحد طرفي المعطوف، إذا دل عليه دليل في المعطوف عليه، منعا للتكرار، وهذا في عطف المفرد. و لولا هذا الحذف لما اختلف عطف المفردات عن عطف الجمل، في جميع أضربها؛ وهي أربعة:(41)
1- عطف ظاهر على ظاهر، مثل:رأيت زيدًا وعمرًا           رأيت زيدًا ورأيت عمرًا.
2- عطف ظاهر على مضمر، مثل: رأيته و زيـدًا              رأيته ورأيت زيدًا.
3- عطف مضمر على ظاهر، مثل: قام زيد وأنت                      قام زيد وقمـتَ أنت.
4- عطف مضمر على مضمر، مثل:رأيتك وإيـاه                      رأيتك وإياه رأيتُ أو رأيتهُ.
أما إذا كان المضمر مرفوعا متصلا لا يعطف عليه حتى يؤكد، مثل: لتقم أنت ومن معك. أي: لتقم أنت وليقم من معك.
فعطف المفردات بجميع أضربه يمكن رده إلى عطف الجمل، وهذا هو الأصل في رأينا والعطف هو نوع من أنواع الربط السياقي استعانت به اللغة في ربط الجمل التامة المستقلة،  حيث يجمع بينها لعلة ما يقتضيها السياق اللغوي. والجملة المعطوف عليها قد يكون  لها محل من الإعراب، فيكون للجملة المعطوفة ما لها من الحكم الإعرابي في الرفع والنصب والجر ومثالها: الطالب أخلاقه حسنة و نتائجه جيدة، فجملة: نتائجه جيدة؛ معطوفة على جملة الخبر، أخلاقه حسنة. فتعرب إعرابها وتأخذ حكمها، وهو الرفع. وقد لا يكون لها محل من الإعراب، فتأخذ الجملة المعطوفة حكمها، فلا يكون لها محل من الإعراب، ومثال ذلك: نجح محمد ورسب صديقه. فجملة: نجح محمد، ابتدائية لا محل لها من الإعراب، والحكم نفسه ينطبق على الجملة المعطوفة: رسب صديقه.
و لكون العطف يمثل وسيلة من وسائل العربية في ربط الجمل، فقد خالف سائر التوابع في أمرين اثنين،  هما:
1- أنّ التابع والمتبوع في العطف لا يتعلقان ببعضهما بعضا إلا بواسطة حرف العطف، الذي هو رابط يربط بين التابع والمتبوع. أمّا باقي التوابع فالتعلق يكون بينها بغير واسطة.
2- أنّ التابع في المعطوف يكون غير المتبوع في المعنى، بخلاف سائر التوابع التي يكون فيها التابع هو المتبوع في المعنى، كالنعت، وعطف البيان، والتأكيد، والبدل، وإن كان البدل يأتي أحيانا ما يخالف فيه الثاني الأول، إلا أنه منه كأن يكون بعضه، أو معنى يشتمل عليه، وهو ما جعله لا يحتاج إلى واسطة.
وهذا ما أشار إليه ابن يعيش حين ذكر ما يخالف فيه العطف سائر التوابع، حيث يقول: ((وهذا الضرب من التوابع يخالف سائر التوابع، لأنها تتبع بغير واسطة، و المعطوف لا يتبع إلا بواسطة، وإنما كان كذلك؛ لأن الثاني فيه غير الأول، ويأتي بعد أن يستوفي العامل عمله فلم يتصل إلا بحرف بخلاف ما الثاني فيه الأول، كالنعت، وعطف البيان، والتأكيد، والبدل. وإن كان يأتي في البدل ما الثاني فيه غير الأول؛ إلا أنه بعضه، أو معنى يشتمل عليه، فكأنه هو هو، فلذلك لم يحتج إلى واسطة حرف))(42)
وحروف العطف – كما حصرها أغلب النحاة – عشرة، وهي: الواو، والفاء، وثم، وحتى، وأو، وأم، وإما؛ مكسورة مكررة، وبل، ولكن، ولا.
فالأربعة الأولى تجمع بين المعطوف و المعطوف عليه في حكم واحد،  وهو الاشتراك في الفعل،  في مثل:  قام زيد وعمرو،  وضربت زيدا وعمرا،  فالقيام قد وجب لهما،  والضرب قد وقع عليهما. وكذلك الفاء وثم وحتى يجب بهن مثل هذا المعنى، في مثل: ضربت زيدا فعمرا،  وذهب عبد الله ثم أخوه،  ورأيت القوم حتى زيدا.  إلا أنها تفترق في معان أُخر،  من جهة الاتصال والتراخي والغاية. أما الثلاثة التي تليها، وهي: أو،  أم،  وإما،  فتشترك من جهة أنها لأحد الشيئين أو الأشياء،  وإن انفصلت،  أيضا من وجوه أُخَر.
وأما، بل ولكن، فتشتركان من جهة أن الثاني فيهما على خلاف معنى الأول في النفي والإثبات. وأما (لا) فمفردة.(43)
وهناك من النحاة من يرى أن حروف العطف تسعة، باسقاط حرف(إمّا)، وهو رأي لأبي علي الفارسي؛ حيث يقول: ((وليست إمَّا حرف عطف؛ لأن حرف العطف لا يخلو من أن يعطف مفردا على مفرد أو جملة على جملة، وأنت تقول: ضربت إما زيدا وإما عمرا، فتجدها عارية من هذين القسمين، وتقول: وإما عمرا، فتدخل عليه الواو، ولا يجتمع حرفان لمعنى))(44)
وهناك من يرى أنها ثمانية بإسقاط(حتى)، لأنها للغاية. وهناك من ذهب إلى أن حروف العطف ثلاثة لا غير؛  وهي: الواو، والفاء، وثم، وهذا الرأي لابن درستويه؛ وقد علل ذلك بأنّ هذه الثلاثة تشرك بين ما بعدها وما قبلها، في معنى الحدث، والإعراب، أما باقي حروف العطف فإنها تخرج ما بعدها مما قبلها.
وقد أورد ابن يعيش تلك الآراء، ورجّح ما اتفق عليه أغلب النحاة، في كون حروف العطف عشرة، وعَلَّل ذلك بقوله: ((والمذهب الأول لما قدمناه من أن معنى العطف حمل الثاني على الأول،  في إعرابه وإشراكه في عمل العامل، وإن لم يشركه في معناه. و ذلك موجود في جميعها، فأما اختلاف المعاني فذلك أمر خارج عن معنى العطف، ألا ترى أن حروف الجر تجتمع كلها في إيصال معاني الأفعال، وإن اختلفت معانيها، من نحو ابتداء الغاية، وانتهاء الغاية،  والإلصاق،  والملك،  وغير ذلك )) (45)
وإذا كانت حروف العطف تجتمع في إدخال الثاني في إعراب الأول،  وتربطه به فإنها تختلف من حيث المعنى،  فلكل حرف دلالة يتميز بها عن غيره في الاستعمال.  وهذه أهم معانيها كما فصّلها النحاة (46):
أ- الواو: تستعمل لمطلق الجمع بين المتعاطفين، مثلها: جاء زيد وعمرو، أي اجتمع لهما القيام.
ب- الفاء: وتستعمل أساسا، للترتيب والتعقيب؛ أي أن الثاني يتبع الأول بلا مهلة، ومثالها: قام فمشى، أو قام زيد فعمرو.
ج- ثم: تأتي للترتيب المنفصل بمهلة، وتسمى حرف تراخ في الزمن؛ أي المهلة والتراخي. ومثالها: قام ثم مشى،  أو قام زيد ثم عمرو؛  أي بينهما مهلة.
د- حتى: تأتي للتدرج مع الغاية، ويكون معطوفها ظاهرا لا مضمرا ومفردا لا جملة، وجزءا من المعطوف عليه: قرأت الكتاب حتى حواشيه،  أي: قرأت حواشيه، أيضا، أو كالجزء منه: أحببت بلادي حتى الحديث عنها، أو دالاًّ على غاية للمعطوف عليه في زيادة أو نقصان: شرب الكأس حتى الثمالة،  والناس سواء أمام القضاء حتى الأمراء. وتكون حرف ابتداء أو استئناف إذا وليتها جملة: نَطَق فأجَادَ حتى دَهَشَ الحاضرون.
هـ- لا: تثبت للأول ما تنفيه عن الثاني، وتقصر الحكم على ما قبلها مثل: أنت صديقي لا عدوي،  أو قام زيد لا عمرو. و قد تُكرَّر للتأكيد فتدخل عليها واو العطف،  مثل: أخوك طبيب لا تاجر ولا عامل. ويعطف بـ (لا) في الإيجاب حتى تحقق للأول ما تنقضه عن الثاني.
و- بل: تأتي لتسلب الحكم عما قبلها، وتجعله لما بعدها، مثل: ما قام زيد بل عمرو. وقد تسبق بإيجاب،  فإن سبقها إيجاب، كان ما قبلها في حكم المسكوت عنه،  والحكم مثبت لما بعدها،  مثل: قام زيد بل عمرو.  و إن سبقها نفي، كالمثال الأول، نفت الحكم عن الأول، وأثبتته للثاني.
ز- لكن: تأتي للاستدراك، وتثبت للثاني ما تنفيه عن الأول،  مثل: ما قام زيد لكن عمرا، أو ليس أخي تاجرا لكن صانعا. ويعطف بها بعد النهي أو النفي. وتكون حرف ابتداء إذا سبقت بإيجاب،  وتلتها جملة،  مثل: قام زيد لكن عمرو لم يقم.
ح- أو: تأتي للتسوية بين المتعاطفين في الحكم وتكون للشك، مثل: قام زيد أو عمرو، وتكون للتخيير، مثل أكرِمْ زيدا أو عمرا. وتكون للإباحة، مثل: جالس زيدا أو عمرا؛ أي جالس من تشاء.
ط-أم: تأتي بمعنى الاستفهام، ولها فيه موضعان: أحدهما أن تقع معادلة لهمزة الاستفهام متصلة بها، على معنى: (أي). و الآخر: أن تقع منقطعة على معنى (بل).  ومثال الأول منهما نحو: أزيد عندك أم عمرو ؟ و معناه: أيهما عندك؟. و مثال الثاني نحو: هل عندك زيد أم عندك عمرو ؟. ومعناه: بل عندك عمرو. تركت السؤال عن الأول، وأخذت في الثاني. و قد تقع في هذا الوجه بعد الخبر، مثل: قام زيد أم قعد عمرو، ومعناه: بل قَعَد عمرو.
ي- إمَّا: وتشارك (أو) في الشك والتخيير والإباحة. فتكون للشك، مثل: جاء إمَّا زيدٌ وإمَّا عمرٌ. و تكون للإباحة، مثل: اشتر السِلعَةَ إمَّا نقدًا وإمَّا دَيْنًا، أو تعلم إمَّا الفرنسية وإمَّا الإنجليزية. وتكون للتخيير، مثل قوله تعالى:{إنا هديناه السبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا} (الإنسان/3 )،  أو مثل: أضرب إمَّا زيدًا وإمَّا عمرًا.
         ويجوز أن يعوض عن (إمّا) الثانية بـ (أو) لما بينهما من المناسبة، مثل:ضربت إمَّا زيدًا أو عمرًا،  أو مثل: إمَّا تحفظُ الدرسَ أو تعاقبُ.
         وما يفصل بين (أو) و (إمّا) أن مع الأولى يبدأ الكلام يقينا ثم يعترضه الشك، ومع الثانية يكون الكلام من أوله مبنيا على الشك.
         هذا أهم ما قيل في معاني حروف العطف واستعمالاتها في العربية، وكان الحديث عنها هنا مفصلا، لكونها أكثر أدوات الربط استخداما، وأوسعها نطاقا. فإذا كانت حروف الجر تربط بين الفعل والاسم، وكانت أدوات الشرط تربط بين الجملة والجملة، فإن حروف العطف تربط بينها جميعا؛ فهي تربط بين الاسم والاسم، وبين الفعل والفعل، وبين الجملة والجملة. ولذلك خصّها البلاغيون بالحديث أكثر من غيرها، وأطلقوا عليها اسم (حروف الوصل)  لأنها تجمع بين أوصال الكلم،  وتؤلف بين أجزاء الكلام وجمله.
ثانيا- دور حروف الجر في الربط:
         إن الجار والمجرور من أهم الوظائف النحوية تعلقا بالفعل وارتباطا به، ومثله في ذلك مثل الظرف، وقد خصهما الدرس النحوي والبلاغي بمصطلح دال على قوة ذلك الترابط والتماسك،  وهو:(التعلق). وقد يوجه الجار والمجرور معنى الفعل في مواضع معينة، أحيانا، فيكون معناه مرتبطا بنوع الحرف الذي يتعلق به، مثل: رغب عن الشيء، ورغب في الشيء، فيصير معنى الفعل في المثال الأول الابتعاد عن الشيء وتجنبه،  ويصير معناه في الثاني؛ حبه والوقوع فيه،  وأمثلة ذلك في اللغة متعددة،  مثل: صبر على،  وصبر عن،  وخرج من،  وخرج على.
وقد يضفي حرف الجر على الفعل المتعدي معنى اللزوم، و من ذلك قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} (النور/63). و قد اكتفى الفعل المتعدي (يخالفون) بالجار والمجرور (عن أمره) عن المفعول به. وهذا يعني أن الحرف أحدث تحويلا في دلالة الفعل. و هو ما يسميه النحاة بـ (التضمين)، وقد ضُمِّن الفعل السابق معنى (يبتعدون)، وهو فعل لازم، ودلالته قريبة من الفعل (يخالفون)،  فالمخالفة فيها معنى الابتعاد والصد.(47)
وقد عقد ابن جني بابا في استعمال الحروف بعضها مكان بعض، وفيه يقول: (( اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف، والآخر بآخر، فإن العرب قد تتسع، فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه، وإيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو في معناه)).(48)
و تعلق الحرف بالفعل يرتبط بمعنى الفعل نفسه، ونوع حرف الجر، ومعنى الاسم المجرور. ولذلك نجد سيبويه قد سمى حروف الجر حروف الإضافة؛  لأنها تضيف معنى الفعل إلى الاسم المجرور.  والجر في رأيه،  يكون في كل اسم مضاف إليه،  والمضاف إليه ينجر بثلاثة أشياء:  الأول أنه ينجر بشيء ليس باسم ولا ظرف،  ويعني هنا حروف الجر مثل: الباء واللام ومن وفي وعن، وغيرها من حروف الجر. و الثاني أنه ينجر بشيء يكون ظرفا؛ ويعني بذلك الظرف؛ مثل: خلف وأمَامَ، وقدام ووراء، وفوق وتحت، وغيرها مما في معناها. و الثالث: أنه ينجر باسم لا يكون ظرفا؛ وهو يعني بذلك أسماء، مثل: مثل، وغير، وكل، وبعض وما يقوم مقامها. وأخيرا يقول فيما تضيفه حروف الجر من معنى الفعل إلى الاسم المجرور: ((وإذا قلت: مررت بزيد، فإنما أضفت المرور إلى زيد بالباء، وكذلك هذا لعبد الله. وإذا قلت: أنت كعبد الله، فقد أضفت إلى عبد الله الشبه بالكاف. وإذا قلت: أخذته من عبد الله؛ فقد أضفت الأخذ إلى عبد الله بمن. وإذا قلت: مذ زمان فقد أضفت الأمر إلى وقت من الزمان بمذ. وإذا قلت: أنت في الدار، فقد أضفت كينونتك في الدار إلى الدار بفي. وإذا قلت: فيك خصلة سوء، فقد أضفت إليه الرداءة بفي. و إذا قلت: رُبَّ رجل يقول ذاك، فقد أضفت القول إلى الرجل برُبَّ. وإذا قلت: بالله والله وتالله، فإنما أضفت الحلف إلى الله سبحانه. كما أضفت النداء باللام إلى بكر حين قلت: يا لَبَكْرٍ. وكذلك رويته عن زيد، أضفت الرواية إلى زيد بعن )). (49)
وقد استخدم عدد من النحاة في حديثهم عن حروف الجر، مصطلحات، مثل: الربط، والتعلق، و الإضافة، والوصل؛ وهي كلها مصطلحات تضفي إلى مدى قوة الترابط والتماسك التي تحدثها هذه الحروف بين الأفعال والأسماء التي تدخل عليها: فهي تربط الأفعال بالأسماء، فتضيف معاني الأفعال إليها، وتوصلها بها، وتوقعها عليها، وأخيرا هي تمثل أحد أوجه التعلق بين الأسماء والأفعال.
وقد جمع ابن يعيش بين هذه المصطلحات في حديثه عن حروف الجر، لإحساسه بمدى العلاقة التي تربط بينها، حيث يقول عن وظيفة الحرف: ((وجملة الأمر أنه دخل على ثلاثة أضرب؛ لإفادة معنى فيما يدخل عليه، ولتعليق لفظ بلفظ آخر وربطه به، ولزيادة ضرب من التأكيد))(50)
و يقول عن حرف الجر: ((أن يدخل لربط فعل باسم نحو قولك: نظرت إلى زيد،  وانصرفت عن جعفر، وهو معنى التعدية)). و يقول: ((اعلم أن هذه الحروف تسمى حروف الإضافة؛ لأنها تضيف معاني الأفعال قبلها إلى الأسماء بعدها، وتسمى حروف الجر؛ لأنها تجر ما بعدها من الأسماء، أي: تخفضها)) ويقول: ((إنما أتي  بها لإيصال معاني الأفعال إلى الأسماء)) (51)
ويقول الجرجاني في شرح الإيضاح: ((اعلم أن الجر لا يكون إلا بالإضافة. و الإضافة على ضربين: إضافة اسم إلى اسم... وإضافة حرف إلى اسم ))(52)
ويقول: (( إن حروف الجر موضوعة لمعنى المفعولية، ألا ترى أنها توصل الأفعال إلى الأسماء، وتوقعها عليها. فإذا قلت: مررت بزيد، أوقعتِ الباءُ المرورَ عليه، وكذا إذا قلت: خرجت من البصرة، كان (مِنْ) معلِّقةً الخروجَ بالبصرة، وكذا البابُ ))(53)
ثالثا- دور أدوات الشرط في الربط:
أمّا أدوات الشرط فلها دور كبير في الربط، وهذا الدور يتمثل في أن تعلق جملة بأخرى؛ على أن تكون الأولى شرطا في حدوث الثانية، أو تكون الثانية مترتبة على الأولى أو جوابا لها. يقول ابن يعيش:(( واعلم أن كل واحد من الشرط والجزاء جملة فعلية تامة، فلما دخل عليهما حرف الشرط ربطهما وجعلهما كجملة واحدة في افتقار كل واحدة من الجملتين إلى الأخرى كافتقار المبتدأ إلى الخبر، فالجملة الأولى التي هي شرط بمنزلة المبتدأ والجملة الثانية التي هي جزاء كالخبر)).(54)
والبنية الأساسية للجملة الشرطية تكون على هذا النحو: [أداة الشرط + جملة الشرط + جملة الجواب]. فإذا تقدّم جملتي الشرط والجواب، أدواتُ شرط جازمة، جُزِمَا فعلاهما إذا كانا مضارعين. و الجزم علاقة لغوية منطوقة، تظهر تأثير الشرط على الجملتين معا؛ وهذا دلالة على التماسك والترابط بينهما، من أجل أداء معنى مركب يتوقف بعضه على بعض. فالشرط وما يحدثه من تأثير إعرابي ممثل في الجزم، هو ما يحصل به الربط، بين جملتي الشرط والجواب. و من ذلك قوله تعالى:{ومن يتقِ الله يجعلْ له مخرجًا ويرزقْه من حيث لا يحتسب} (الطلاق /2–3). فالجملة الشرطية هي:[من + يتق الله + يجعل له مخرجا]أي: [أداة شرط + جملة فعلية ذات فعل مضارع مجزوم + جملة فعلية ذات فعل مضارع مجزوم] وهذا النمط هو ما يمثل البنية الأساسية للجملة الشرطية، التي ترتبط بأدوات الشرط الجازمة. ولكن ليس شرطا أن يأتي كل تركيب شرطي مطابقا لتلك البنية أو الصورة. فقد يخرج التركيب الشرطي عنها فيتعدد ويتنوع.كأنْ يأتي مكان جملة الشرط ذات الفعل المضارع، أو جملة الجواب، جملة أخرى ذات فعل ماض، فيكون الفعل في هذه الحالة في محل جزم.(55)
وقد يأتي الفعل في الجملتين على صيغة الماضي، مثل: إن زرتني زرتك. وهنا ينفك الربط الإعرابي عن طريق الجزم،  ولكن الربط الشرطي يظل قائما، إلا إذا وقع جوابا للشرط ما لا يصلح أن يكون شرطا، فإنه في هذه الحالة تلزمه الفاء لتقوم بدور الربط ليعلم ارتباطه بالشرط،  فتربط جملة الجواب بجملة الشرط، وتسمى الفاء الجوابية،  وتلازمها السببية.(56)
ويكون ذلك إذا كانت جملة الجواب:
- جملة اسمية،مثل قوله تعالى:{وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير}(الأنعام/17).
- أو جملة طلبية، مثل قوله:{إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}(آل عمران/31)
- أو جملة فعلية فعلها جامد، مثل قوله: {إن ترنِ أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتينِ خيرا من جنتك} (الكهف / 39 – 40)
- أو كان فعلها مقرونا بحرف تنفيس؛ السين أو سوف، مثل قوله: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} (التوبة/ 28).
- أو مقرونا بـ(قد) مثل قوله: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبلُ} (يوسف/77)
- أو منفيا بـ (ما) أو (لن) مثل قوله: { فإن توليتم فما سألتكم من أجر} (يونس/ 72)  ومثل قوله: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} (آل عمران /115).
والأجوبة السابقة لزمتها الفاء، لأنه لا يصلح جعلها شرطا، وعوضت بذلك الفاء الربط الحاصل بالجزم. والفاء قد تخلفها (إذا) الفجائية في الربط، إذا كانت جملة الجواب جملة اسمية، كقوله تعالى: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} (الروم/36) وقوله: {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} (الروم/48). فإذا الفجائية هنا أدت ما تؤديه الفاء في الارتباط بين جملتي الشرط والجواب.(57)
و هناك أدوات شرط أخرى لا يجزم المضارع بعدها، ولا يكون الماضي معها في محل جزم؛ وهي: (لما، وإذا، ولو). وهي أدوات شرطية غير جازمة تدخل فتعلق إحدى الجملتين بالأخرى . 
أما (لما) فهي أداة شرط غير جازمة، وذلك لأنها تختص بالماضي، وقد يكون جوابها ماضيا مثبتا، مثل: لما قام زيد قام عمرو، أو منفيا بـ (ما) مثل: لما قام زيد ما قام عمرو، أو منفيا بـ (لم) مثل: لما قام زيد لم يقم عمرو. أو جملة اسمية مقرونة بـ (إذا) الفجائية ، مثل قوله تعالى: {فلما جاءهم  بآياتنا إذا هم منها يضحكون} (الزخرف/ 47). وتسمى (لما) التعليقية وهي حرف وجوب لوجوب، وهناك من يسميها حرف وجود لوجود، وقد اختلفوا في حرفيتها و ظرفيتها، فهناك من يرى أنها حرف، وهناك من يرى أنها ظرف بمعنى (حين).(58)
وأما ( إذا) فإنها ظرف للمستقبل متضمنة معنى الشرط، وتختص بالدخول على الجملة الفعلية، ويكون الفعل بعدها ماضيا كثيرا، ومضارعا قليلا. ومثلها قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسَّه الشَّرُّ كان يئوسا} (الإسراء/ 83).(59)
و أمّا (لو) فإنها حرف باتفاق، وهي حرف يدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى، فيلزم من تقدير حصول شرطها، حصول جوابها، ويلزم كون شرطها محكوما بامتناعه. إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك،  فتصير حرف وجوب لوجوب، وتخرج عن كونها للتعليق في الماضي.  أما جوابها فالأكثر أن يكون ممتنعا. وأيا ما كان الأمر فالتعليق حاصل بين شرطها وجوابها، وكلاهما في الماضي، ومن ذلك قوله تعالى: {ولو أنّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده  سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} (لقمان / 27). ويأتي (اللام) رابطا في جوابها،  إذا كان جوابها ماضيا مثبتا، ويأتي ذلك كثيرا. مثل قوله تعالى: { لو نشاء لجعلناه حطاما} (الواقعة/65 ).(60)
و ما قيل في (لو) يمكن أن يقال في (لولا) في مسألة اللام الداخلة على الجواب. حيث يرى – الزمخشري – أن اللام في جواب (لو) و (لولا) دخلت لتأكيد ارتباط إحدى الجملتين بالأخرى (61)  وقد مثلنا لـ (لو) .  أما (لولا) فمثل قوله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} (الأنفال/68)  وقوله: {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ في العراء وهو مذموم} (القلم/49). و(لولا) حرف امتناع لوجود، وتُفسَّر بحسب الجمل الداخلة عليها، فإن كانت الجملتان بعدها موجبتين، فهي حرف امتناع لوجود، نحو: لولا زيد لأحسنت إليك؛ فالإحسان امتنع، لوجود زيد، وإن كانتا منفيتين، فهي حرف وجود لامتناع،  نحو: لولا عدم قيام زيد لم أحسن إليك. و إن كانتا موجبة ومنفية؛ فهي حرف وجود لوجود،  نحو: لولا زيد لم أحسن إليك. وإن كانتا منفية وموجبة؛  فهي حرف امتناع لامتناع، نحو: لولا عدم قيام زيد  لأحسنت  إليك.  هكذا فسر استخدام (لولا). أما جوابها فهو ماض مثبت،  مقرون باللام، كما في الآيتين السابقتين، أو منفي بـ (ما) نحو قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا} (النور/21). وغالبا ما يكون جوابها المنفي غير مقترن باللام.(62)
رابعا- دور الحروف الداخلة على جواب القسم في الرابط :
وعندما يتحدث – ابن يعيش- عن أسلوب القسم يعد الحروف الداخلة على جواب القسم من الروابط، كقولهم: بالله لأ فعلنّ، وإنك لذاهب، وما فعلت، ولا أفعل، حيث يقول: ((اعلم أنه لما كان كل واحد من القسم والمقسم عليه جملة، والجملة عبارة عن كل كلام مستقل قائم بنفسه، وكانت إحداهما لها تعلق بالأخرى، لم يكن بد من روابط تربط إحداهما بالأخرى، كربط حرف الشرطِ الشرطَ بالجزاء، فجعل للإيجاب حرفان وهما: اللام وإن، وجعل للنفي حرفان وهما: ما ولا، وإنما وجب لهذه الحروف أن تقع جوابا للقسم لأنها يستأنف بها الكلام)).(63) 
فأسلوب القسم يتألف من جملتين: جملة القسم وجملة جواب القسم، وهناك ترابط معنوي بينهما، ولتأكيد ذلك الترابط استعانت اللغة بروابط لفظية؛  تربط جملة الجواب بجملة القسم وتلك الروابط تختلف باختلاف جملة جواب القسم إيجابا وسلبا، فإذا كانت موجبة فإما أن تكون جملة اسمية أو فعلية، فإذا كانت فعلية وكان فعلها مضارعا، دخلت اللام في أولها وأُكِّد فعلها بنون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة، كقوله تعالى:{وتالله لأكيدن أصنامكم} (الأنبياء/ 57). وإذا كان الفعل ماضيا متصرفا، فالأكثر أن تقترن اللام بـ (قد) كقوله تعالى:{تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض} (يوسف/72)، أما إذا كان الفعل غير متصرف قرن باللام فقط. مثل: والله لنعم السيدان رأيت.
 أما إذا كان جواب القسم جملة اسمية فكثيرا ما يأتي اللام مقترنا بـ (إنّ)، كقوله تعالى: { والعصر إنّ الإنسان لفي خسر} (العصر/ 1-2)، وقوله تعالى: {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} (يوسف/ 95).
أما إذا كانت جملة جواب القسم منفية، فإنها تنفى بأحد حرفين؛ هما: (ما) و(لا)، فأما (ما) فتنفى بها الجملة الفعلية ذات الفعل الماضي، كقوله تعالى: {والله ربنا ما كنا مشركين} (الأنعام/23) ، أو الجملة الاسمية، كقوله: {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال} (إبراهيم/44). وأما (لا) فتنفى بها الجملة الفعلية المضارعية كقوله تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم} (الحشر/12)، فاللام في الآية موطئة للقسم، وقد تقدم القسم فيها على الشرط، فجاء الجواب للقسم دون الشرط، ولو كان الجواب للشرط لجزم الفعلان: (لا يخرجون)  و(لا ينصرونهم).(64)
وقد تحذف (لا) النافية في جواب القسم، فتكون مقدرة، في مثل قوله تعالى: {قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف} (يوسف/85) أي: ( لا تفتأ) ، والسياق يقتضي ذلك التقدير، لأنه لو كانت في الإيجاب لظهرت معها اللام ونون التوكيد.
وقد أجاز – سيبويه – ذلك، ورأى أنه من كلام العرب؛ حيث يقول: ((وقد يجوز لك – وهو من كلام العرب – أن تحذف (لا) وأنت تريد معناها، وذلك قولك: والله أفعل ذلك أبدا. تريد: و الله لا أفعل ذلك أبدا)).(65)

خامسا- دور حروف التفسير والجواب في الربط:
ومن الحروف الرابطة حرفا التفسير(أي) و(أنْ) تدخلان على الكلام فتربطان ما بعدهما بما قبلهما، ويقال لهما حرفا العبارة. فأما(أي) فتكون تفسيرا لما قبلها وعبارة عنه، ويشترط في دخولها أن يكون ما قبلها جملة تامة مستقلة، ويكون ما بعدها جملة أخرى تامة حيث تكون الثانية هي الأولى في المعنى مفسرة لها، فتقع (أي) رابطة بينهما، وقد مثلوا لها بقول الشاعر:  
و تَرمِينَنِي بالطّرْفِ أيْ: أنتَ مذْنِبٌ          وتَقْلِينَنِي، لكنَّ إيّاكِ لا أقْلِي.
و هناك من عمم دخولها على الجملة والمفرد، ويرى أنها أعم من (أنْ) المفسِّرة. و مثال ذلك: هذا بيت، أي: بيت جميل. وسنلتقي غدا، أي: في الصباح.
أما (أنْ) المفسِّرة، وهي التي يحسن في موضعها (أي)، ويشترط دخولها على الجمل، وأن تكون الجملة التي قبلها تامة، ففيها معنى القول، لا لفظه. (66)[U1] (66)
ومن أمثلتها في الربط، قوله تعالى: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك} (المؤمنون/27)، وقوله: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها، بما كنتم تعلمون} (الأعراف/43) وقوله: { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فأمنا} (آل عمران/193).
وأما حروف الجواب: نعم، وبلى، وأجل، وجير، و إي، ولا، فهي حروف رابطة للكلام. (67)
فأما (نعم) فهي حرف تصديق وجواب لما قبلها في النفي والإثبات فيقال بعد: قام زيد،  أو ما قام زيد،  نعم ، تصديقا للقول في الخبر. ويقال في الاستفهام: أقام زيد؟، أو أما قام زيد؟  فيقال: نعم.  أي نعم قام أو ما قام. فنعم هنا جاءت مختزلة لجملة الجواب ورابطة لها بما قبلها.
وأما (بلى) فمثل(نعم) بعد النفي؛ فعندما يقال: ما قام زيد، أو أما قام زيد، يقال: بلى؛ أي: بلى قد قام، فهي إيجاب لما بعد النفي،وهي تختص بالنفي، وتفيد إبطاله، ومن أمثلتها في القرآن الكريم؛ قوله تعالى:{أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أنْ نسوى بنانه } (القيامة/3– 4)، وقوله: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرَّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}(الزخرف/80)، وقوله: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير} (الملك/ 8 – 9) وقوله: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم } (التغابن/7).فـ (بلى) هنا كانت جوابا لما بعد النفي، مجردا ومقرونا بالاستفهام، وهي رابطة لما بعدها بما قبلها.
وأما (أجل) و(جَيْرِ)، فلا يصدق بهما إلا في الخبر خاصة؛ يقال: قد أتاك زيد، فيكون الجواب: أجل، ولا تستعمل في جواب الاستفهام. وجَيْرِ، تأتي بكسر الراء، وقد تفتح. و كلاهما حرفا جواب رابط لما بعدهما بما قبلهما.
أمّا ( إي ) فهي حرف جواب بمعنى نعم، ولا تستعمل إلا في القسم. و مثالها: لمن قال: أقام زيد؟  يكون الجواب: إي والله أو إي وربي. ومن ذلك قوله تعالى: {و يستنبئو نك أحق هو قل إي وربي إنه لحق} (يونس/53)
وأما (لا) فتكون جوابا مناقضا لنعم، وتحذف الجمل بعدها كثيرا، ومثالها، يقال: أجاءك زيد؛ فيكون جوابها (لا)، والأصل: لا لم يجئْ. (68)
فكل حروف الجواب تأتي لتربط جمل الجواب بما قبلها، وقد تكون تلك الجمل ظاهرة أو مقدرة، كما في الأمثلة السابقة.
هذا أهم  ما جاء عند النحاة عن دور الحروف في ربط الكلام،  إلى جانب الربط عن طريق الضمير، وما جاء عندهم كان مشتتا بين ثنايا الموضوعات النحوية تفرضه أحيانا المناسبة،  بحيث لا يعكس نظرة شمولية،  يمكن  أن تمثل كل وسائل الربط في العربية.
سادسا- استخدامهم لمصطلح (الوصلة) مرادفا لمصطلح (الربط).
أما المصطلحات التي استخدموها للتعبير عن مفهوم الربط فكانت متعددة؛ أهمها: مصطلح (الربط)، وقد استخدموا إلى جانبه مصطلح ( الوُصْلة) وقد ورد عند عدد من النحاة المتقدمين والمتأخرين، كناية عن الموصولات الاسمية والحرفية، وأسماء الإشارة والضمائر، وكل ما يؤدي غرض الربط والاتصال في مقابل الانفصال . وهم في ذلك استخدموا مصطلح (الوصلة) مرادفا لمصطلح الربط.
 فالمبرد، مثلا، بتحدث عن الموصولات الحرفية وصلاتها مقارنة بالموصولات الاسمية في مسألة العائد أو المرجع، فيرى أن الأُولى ليس لها عائد من صلتها بعكس الثانية. فالموصول الحرفي ( أنْ ) في مثل: أريد أنْ تقوم، له صلة هي (تقوم). و كذلك ( أنَّ ) تكون مع صلتها مصدرا، في مثل: بلغني أنّكم منطلقون. أي: بلغني انطلاقكم. و كذلك (ما) المصدرية مع صلتها تكون مصدرًا،  في مثل: سرني ما صنعت،  أي: سرني صنيعك. و يقول في مسألة العائد: ((واعلم أنَّ ( أنْ ) الخفيفة إذا وصلت بفعل لم يكن في الفعل راجع إليها. وكذلك ( أنَّ ) الثقيلة؛ لأنهما حرفان، وليسا باسمين، وإنما يستحق الواحد منهما أن يكون اسما بما بعده، والذي و (مَنْ) و(أيّ) أسماء، فلابد في صلاتها مما يرجع إليها))(69) كما نجد ابن يعيش يستخدم لفظ (الوصلة) حيث يرى أن ( ذو )دخلت وصلة إلى وصف الأسماء بالأجناس، وأن (الذي) دخلت وصلة إلى وصف المعارف بالجمل، وأن (أي) دخلت وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام، في مثل: يا أيها الرجل، ويا أيها الناس. وأنّ اسم الإشارة دخل وصلة إلى نقل الاسم من تعريف العهد إلى تعريف الحضور والإشارة، في مثل: هذا الرجل فعل أو يفعلُ، كما يجوز أن يتوصل بـ (هذا) إلى نداء ما فيه الألف واللام، فيقال: يا هذا الرجل، كما يقال: يا أيها الرجل. وأن (أيا) تأتي وصلة إلى اللفظ بالمضمر الذي هو: الياء والكاف والهاء، في مثل: إياي، وإياك، وإياه، فـ (أيا) عندهم اسم ظاهر يتوصل به إلى المضمر.(70)
و قد أورد السيوطي نصا - لابن القيم في كتابه(البدائع) - جمع فيه ما تفرق عند سابقيه، حيث يقول: ((الوصلات التي وضعوها في كلامهم للتوصل بها إلى غيرها خمسة أقسام:
أحدها: حروف الجر، وضعوها ليتوصلوا بالأفعال إلى المجرور بها، ولولاها لما نفذ الفعل إليها ولا باشرها.
الثاني: حرف (ها) التي للتنبيه، وضعت ليتوصل بها إلى نداء ما فيه (أل).
الثالث: ذو، وضعوها وصلة إلى وصف النكرات بأسماء الأجناس غير المشتقة.
الرابع: الذي، وضعوه وصلة إلى وصف المعارف بالجمل ولولاها لما جرت صفات عليها.
الخامس: الضمير، الذي يربط الجمل الجارية على المفردات أحوالا وأخبارا وصفات وصلات،  فإن الضمير هو الوصلة إلى ذلك ))(71)   
وما يلاحظ على ما أورده السيوطي عن ابن القيم أنه عدّ حروف الجر من الوصلات وعدها غيره من الروابط، كما ذكر من بين الوصلات الضمير الذي يعد رابطا عند النحاة بلا خلاف، مما يؤكد ما سبقت الإشارة إليه من أن مصطلح (الوصلة) كان يرادف مصطلح (الربط) عند عدد من النحاة.
الخلاصة: بشكل عام فإن النحاة القدامى قد أولوا مسألة الربط عن طريق الضمير عناية كبيرة، بحيث حاولوا ضبط مظاهرها وتوضيح شروطها، واستقصاء مضانها إلى درجة أن توغلوا في مجال الافتراض والتقدير، خاصة مسألة الربط في الجملة الاسمية البسيطة، فكلما كان الرابط معنويا لا يظهر في صورة اللفظ، لجأوا إلى افتراض عائد على المبتدأ، وقد حصر أغلبهم ذلك في الخبر المشتق، وعممه آخرون فأدخلوا الاسم الجامد كذلك إذا وقع خبرا للمبتدأ. ولكن عنايتهم بوسائل الربط الأخرى كانت بدرجة أقل. وما يمكن قوله بشكل عام فإن عنايتهم تلك لم تبلغ حد الرؤية المنهجية، التي تنظر إلى الروابط نظرة شمولية تجعل من الربط موضوعا قائما بذاته يدرس في جميع أحواله بالرجوع إلى الجملة من حيث هي قاعدة الكلام التي لا تتجلى قيمة الربط إلا من خلالها.                                                                                                                                                     

                             ـــــــــــــــــــــــــــــــ

فهـرس المراجـع

-القرآن الكريم، برواية حفص.
-الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت 1405هـ 1984م.
-إملاء ما منّ به الرحمن، للعكبري، بيروت، ط1، 1399 هـ  ـ  1979 م.
-الإيضاح في علل النحو للزجاجي، تحقيق د.مازن المبارك، بيروت  1982 م.
-تجديد النحو للدكتور شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة 1982م.
-تفسير القرآن لابن كثير، مكتبة دار التراث، القاهرة ( د. ت)
-الجني الداني للمرادي ، تحقيق:د. فخر الدين قباوة ،بيروت 1983م .
-الخصائص لابن جني ، تحقيق : محمد علي النجار ، بيروت ، ط : 1403 هـ 1983 م.
-دراسة في التطور والتأصيل (تطور الفعل الرباعي في العربية ولهجاتها مقارنة بأخواتها الساميات) الشريف ميهوبي، منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين، دار هومه- الجزائر. ط1/2002م
-شرح جمل الزجاجي لابن هشام، تحقيق: د.علي محسن مال الله، ط1، بيروت1985م.
-شرح شذور الذهب، لابن هشام، ط10- القاهرة 1385هـ 1965م.
-شرح ابن عقيل، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د.ت)
-شرح كافية ابن الحاجب، للرضي، بيروت 1975م .
-شرح المفصل لابن يعيش، عالم الكتب، بيروت، (د.ت) .
-في بناء الجملة العربية، د. محمد حماسة عبد اللطيف، دار القلم، الكويت، ط1، 1402 هـ  1982 م.
-في النحو العربي، نقد وتوجيه، د. مهدي المخزومي، بيروت، 1406 هـ  1986 م .
-كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي، تحقيق: د. شوقي ضيف، دارالمعارف، القاهرة 1982م.
-كتاب سيبويه، تحقيق : عبدالسلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة1395 هـ  1975م .
-كتاب المقتصد في شرح الإيضاح للجرجاني، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، العراق 1982م.
-لسان العرب لابن منظور ، طبعة دار المعارف القاهرة ، (د.ت) .
-اللغة العربية معناها ومبناها، د. تمام حسان، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة، ط2 / 1979 م.
-اللمع لابن جني، تحقيق: حسين محمد محمد شرف، القاهرة 1979م .
-مغني اللبيب لابن هشام، تحقيق: د.مازن المبارك، ومحمد علي حمدالله، دار الفكر، بيروت، ط5/ 1979م.
-المقتضب للمبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، القاهرة، 1399 هـ .
-نظام الارتباط والربط في تركيب الجملة العربية، د. مصطفى حميدة، القاهرة 1997م.
-نظرات في التراث اللغوي العربي، د.عبد القادر المهيري، دار الغرب الإسلامي، ط1،بيروت 1993م.

هوامش



(1)  - نظرات في التراث اللغوي العربي د. عبد القادر المهيري، بيروت 1993م ص38.
(2)  - نظرات في التراث اللغوي العربي ص 38.
(3)  - شرح المفصل 1 / 83 .
(4)  - شرح الكافية 1 / 8 .
(5)  - انظر: اللغة العربية معناها ومبناها 191 – 192. وانظر معه: في بناء الجملة العربية د. محمد حماسة عبد اللطيف 129.          ونظام الارتباط والربط في تركيب الجملة العربية د / مصطفي حميدة 161 – 162.
(6) - شرح المفصل1/ 72.
(7)  - انظر: مغني اللبيب 653 – 663. – والأشباه والنظائر للسيوطي 1 / 241 – 242.
(8)  - انظر السابق 653-654.
(9)  - انظر: السابق 654-656.
(10)  - انظر: السابق 158.
(11)  - إملاء ما من به الرحمن ج1/ 234.
(12)  - انظر: مغني اللبيب 656 – 657 .
(13)  - انظر: السابق 656 – 657.
(14)  - انظر: إملاء ما منّ به الرحمن ج/ 222 – 223 .
(15)  - انظر: دراسة في التطور والتأصيل 30 _ 41.
(16)  - انظر: مغني اللبيب 657 – 659 . 
(17)  - انظر: السابق657 – 659 . 
(18)  - انظر: السابق 659 – 660.
(19)  - انظر: السابق 659 – 660.
(20)  - انظر : – شرح ابن عقيل ج1 / 547 – 556 . -  كتاب الرد على النحاة 94 – 102 .
(21)  - انظر: إملاء ما منّ به الرحمن. ج2/108 – 109.
(22)  - تفسير ابن كثير ج1/ 592 .
(23)  - انظر على سبيل المثال: - كتاب الرد على النحاة لابن  مضاء القرطبي 94 – 122 .- في النحو العربي، نقد وتوجيه 161– 175 . - تجديد النحو، شوقي ضيف 18 – 19 .
(24)  - انظر: مغني اللبيب 662 – 663 .
(25)  - انظر: السابق 647 – 652 .
(26)  - انظر: السابق 647 – 648 .
(27)  - انظر: إملاء ما منّ به الرحمن ج2/ 123.
(28)  - انظر: في بناء الجملة العربية 118 – 119، 124.
(29)  - انظر: مغني اللبيب 649.
(30)  - انظر: السابق 650 – 652.
(31)  - شرح شذور الذهب 13- 14.
(32)  - الإيضاح: 44.
(33)  - اللسان: ماد ة؛ حرف.
(34)  - الأشباه والنظائر للسيوطي ج2 /17.
(35)  - شرح المفصل لابن يعيش ج8 / 4 – 5.
(36)  - السابق ج9 / 96 .
(37)  - الأشباه والنظائر ج2 /17.
(38)  - السابق ج2/17.
(39)  - شرح المفصل ج3/75، ج8/ 90.
 (40)  - انظر: السابق ج3/75، ج8/ 88 – 89 . – وشرح جمل الزجاجي لابن هشام: 33.
(41)  - انظر: - اللمع لابن جنى 14 – 185 . - شرح المفصل لابن يعيش ج3/ 75.
(42)  - شرح المفصل ج8/88 .
 (43)  - انظر: السابق ج8 / 89 .
(44)  - كتاب المقتصد في شرح الإيضاح للجرجاني ج2/943.
(45) - شرح المفصل: ج8/ 89- 90.
(46)  - انظر: السابق ج8/ 88 – 107 ، - و اللمع لابن جنى 177 – 185. و كتاب المقتصد ج2/ 937 – 961. 
(47)  - انظر: في بناء الجملة العربية231-232.
(48)   - الخصائص ج2/308.
(49) - كتاب سيبويه 2/ 421، وانظر: صفحتيه : 419 – 420 .
(50)  - شرح المفصل ج8/ 4.
(51)  - السابق ج8 / 5 ، 7 ، 9.
(52)  - كتاب المقتصد في شرح الإيضاح ج2/ 822.
(53)  - السابق ج2/ 824.
(54)  - شرح المفصل 3/ 151.
(55)  - انظر: في بناء الجملة العربية 281 – 284 .
(56)  - انظر: الجني الداني في حروف المعاني للمرادي 66 – 70 .
(57)  - انظر: - الجني الداني في حروف المعاني 68 – 70 .- في بناء الجملة العربية 284 – 286 .
(58)  - انظر: الجني الداني 594 – 596 .
(59)  - انظر: مغني اللبيب 127.
(60)  - انظر: الجني الداني 272 – 274 .
(61)  - انظر: شرح المفصل ج2/ 22.
(62)  - انظر: الجن الداني 597 – 599.
(63)  - شرح المفصل ج9 / 96 .
(64)- انظر:- السابق ج9/ 96 – 97 . - في بناء الجملة العربية 308 – 311.
(65) – الكتاب ج3/ 105.
(66) - انظر: - شرح المفصل 8/ 139 – 142. - الجني الداني 220 – 221، 233 – 234. 
(67)- انظر: شرح المفصل ج8 / 121 – 124. – و مغني اللبيب 29، 105، 153، 162، 451.
(68) – مغني اللبيب 319.
(69)  - المقتضب للمبرد ج3 /197 – 199.
(70)  - انظر: شرح المفصل لابن يعيش ج1 / 53، ج3 / 154.  - الأشباه والنظائر للسيوطي ج1/ 389.
(71)  - الأشباه والنظائر للسيوطي ج1 /391.





 [U1]

هناك تعليق واحد: