السبت، 6 أكتوبر 2012

اللغة العربية ... غربة وتهميش


جريدة الخليج الإماراتية

للغة العربية تعاني الغربة والتهميش في المدارس آخر تحديث:الثلاثاء ,15/03/2011


ملف أعده: محمد هجرس

  1/2



اللغة العربية، حامية الهوية، والحارس الأمين للثقافة، وجدت نفسها أخيراً غريبة داخل وطنها، ومهمشة بين طلابه، ينفرون من مناهجها ويجدون حرجاً في التحدث بها واستخدامها في أنشطتهم المدرسية، على الرغم من تفردها عن معظم اللغات الأخرى بثراء كلماتها وجمال مفرداتها . وما بين طرق تدريس كلاسيكية لمناهجها، ومدرسين يفتقدون إلى التدريب، وطلاب وجدوا ضالتهم في غيرها، وأنشطة تستعين بها على استحياء، وخبراء أصابهم الملل من المطالبة بتطويرها، ندق ناقوس الخطر، قبل أن نستيقظ ونجد مدارسنا بلا منهج للغة العربية . في هذا الملف رصدنا الواقع داخل مدارسنا والتقينا بالطلاب والمعلمين والمديرين والخبراء، في محاولة لاستعادة اللغة العربية لمكانتها داخل الصفوف .

الخبراء يرفضونه وينتقدون غياب الوسائل الحديثة

تدريس "كلاسيكي" يفتقد التطوير

التدريس فن، يحتاج إلى  مهارة لتوصيل المعلومة إلى الطلاب ببساطة ومن دون تعقيدات، وذلك يعتمد على مواقف المدرس داخل الصف وإنصاته وحديثه وبراعته في جذب الطلاب، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن طرق تدريس اللغة العربية، وهل هي مناسبة؟ وهل الأمر يتطلب عمل دورات مكثفة ومستمرة للمدرس؟ خبراء التعليم عندما طرحنا عليهم هذه الأسئلة اتفقوا جميعاً على رفضهم للطرق الخاصة بتدريس اللغة العربية، وأنها لا تتساوى مع الوسائل الحديثة المتعددة في التعلم المأخوذ بها في اللغات الأخرى وفي المواد العلمية .

يرى د . رضوان بن غربية الأستاذ بكلية الدراسات الاسلامية والعربية أن اللغة العربية موضوع شائك وليس بالسهولة معالجته بشكل سطحي كما يحدث الآن في منطقتنا العربية، لذلك ينبغي تهيئة الظروف لتدريسها بشكل علمي ومبسط، موضحاً ضرورة إعداد الطالب نفسياً وتربوياً لتقبل دراستها عن طريق برامج علمية محددة، وأن يتم البعد عن الدراسة النظرية السائدة .

وأضاف: لغتنا العربية تعاني فجوة عميقة بين النظرية والتطبيق، وانحصرت في الجانب النظري فقط، ما يؤدي إلى تلاشي فهم الطالب، الذي بحاجة دائمة إلى متابعة وتدريب عملي .

ونوه بن غربية بضرورة إصدار كتاب تطبيقي في تدريس اللغة العربية وأن يكون هناك مختبرات للغة العربية مثل مختبرات المواد العلمية، تدرس فيها، لأن الفجوة التي نعيشها اليوم، وتزيد من تدهور اللغة العربية، سببها الجانب النظري الذي لا يمت للواقع بأي صلة، مطالباً بضرورة تركيز المدرس على تعليم الطلاب أثناء طرح السؤال والإجابة عنه، مع تخصيص وقت في الجدول المدرسي، للتحدث باللغة العربية أثناء تدريس أي مادة من المواد المقررة في الجدول .

أما د . عبدالرحمن بناني الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية فيشير إلى أن تغيير طريقة تدريس اللغة العربية تحتاج إلى تشكيل لجان للنظر في التوازن بين الدراسة العلمية والنظرية، وبحث إجبار الطلاب على الكتابة والتحدث بالعربية، منوهاً بعدم إقحام الطلاب في تعلم بعض التفاصيل المتعلقة بالخلافات في المدارس النحوية، لأن المدرس والطالب كثيراً ما يشعران بالحيرة عندما يصطدم بهذه الخلافات البحثية في الجر والنصب وغيرهما، وهو الأمر الذي لا يسهم في تعلم اللغة العربية، وبالتالي يحدث تفكك في بنيان الهوية الوطنية والاندفاع إلى الانتماء في حضن الآخر .

وأضاف: التعليم لدينا يؤدي إلى الازدواجية في شخصية الطالب الذي يفضل في النهاية عدم الارتباط بلغته الوطنية الأمر الذي يبعده عن الارتباط بالقيم والأخلاق والتاريخ، الأمر الذي يجعله حائراً لا يجد لنفسه سوى التأثر بكل ما يسمعه باللغات الأخرى التي يندفع إلى تعلمها ويفضلها على العربية، لذلك لابد للأسرة أن تقوم بتحفيظ طفلها القرآن الكريم حتى يتعلم العربية، مدللاً على ذلك بوجود ناس من غير الناطقين بالعربية يحفظون القرآن الكريم وينطقونه نطقاً صحيحاً رغم عدم فهمهم لمحتواه، وهو ما يؤكد وجود النفس الروحي والإعجازي الذي يترك أثراً في نفس من يتعلمه .

ولفت إلى طريقة قد تؤدي إلى الاهتمام بالعربية، وهي خاصة بالمدرس الذي يتوجب عليه أن يهتم بالنطق وأن يضبط لسانه وأن يتخلى عن اللهجة المحلية في التدريس، ولن يكون ذلك إلا عن طريق تأهيله بالدورات المستمرة، والندوات الخاصة بالتوعية بأهمية اللغة العربية وطنياً وروحياً وعقائدياً، وأن يأتي دور الطالب متوازياً مع تأهيل المدرس، من خلال وضع طرق متعددة لتدريبه على النحو والأدب، على أن يراعى المستوى الدراسي مع تنظيم مسابقات في اللغة العربية داخل كافة المؤسسات، وأن يخضع من يريد المشاركة في هذه المسابقات سواء كانت في المسرح أو القصة والرواية، أو الشعر لدورات تدريبية تساعده على الكتابة وعلى النطق، خاصة في مجال المسرح الذي يعتبر مجتمعاً مصغراً تطرح فيه القضايا المجتمعية التي لابد من طرحها بالعربية الفصحى المفهومة .

وقال بناني لابد من تركيز المدرس أثناء الحصة على إسهام الطلاب في الدرس، وأن يعطى بعضهم فرصة للتحدث بالعربية الفصحى وأن تكون هناك مجلات متخصصة في نشر الإبداع الطلابي سواء كان في القصة أو الشعر أو المقالة وغير ذلك، لافتاً إلى أن هذه المجلة المتخصصة ربما تكون تابعة لمدرسة أو لمنطقة تعليمية .

ويطالب د . الشريف الميهوبي الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بضرورة إعادة النظر في طريقة التدريس التي لم تعد مواكبة للطرق الحديثة التي تدرس بها اللغات الأجنبية الأخرى في بلدانها، مشيراً إلى أن تغيير المناهج وتطورها لم تستفد منه اللغة العربية، وبقيت طرق تدريسها على حالها محصورة في الطريقة “الكلاسيكية” لأنها لم تعتمد على الوسائل الحديثة .

وطالب الميهوبي بضرورة إعادة النظر في الكتاب المدرسي، وفي المعلم، لأن تكوين المعلم الذي عهدناه منذ زمن بعيد، لم يعد صالحاً اليوم بعد التقدم التكنولوجي الذي بات محاصراً لأطفالنا وأثر في تفكيرهم لدرجة تدفعهم إلى اعتبار من يكبرونهم في السن متخلفين لأنهم يعيشون في صورة الماضي الذي جاءوا منه، مشيراً إلى أن البحث عن طرق جديدة للعمل بها في تدريس العربية بات ملحاً، رغم أن البيئة العربية حالياً لا تساعد على تطبيق أي منهج حديث خاص باللغة العربية، إلا بعد تحويلها إلى بيئة مناسبة، وحاضنة للأفكار والطرق التي تسهم في تعلم العربية .

وكشف الميهوبي عن أن طريقة تعليم النحو والصرف تحدث فجرة عميقة بين الطلاب واللغة العربية، لأنها تتطلب جهداً ووقتاً يضيع من دون فائدة، وما نحتاجه هو التفاعل بين الطلاب وبين اللغة، ما يتطلب إنشاء بيئة حاضنة للطفل منذ سنواته الثلاث الأولى التي يتعلم خلالها اللغة من أسرته، وأن تبقى تلك البيئة متواصلة حتى الجامعة .

وبطريقة مباشرة يطالب د . علي أحمد الكبيسي رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم في جامعة قطر، بتغيير الطرق التقليدية المعروفة في تدريس اللغة العربية، حتى تتناسب مع مستوى المتعلمين، وتصبح مبنية على أهداف واضحة ومحددة بشرط أن تكون قائمة على مشاركة الطالب في عملية تعليمه وتعلمه، حتى يكون إيجابياً في حصة اللغة العربية، منوهاً بأن هذا الأمر يكون عن طريق إعداد المدرس إعداداً نفسياً وتربوياً، ووضع مناهج حديثة مطورة تخدم أهداف التدريس في كل مرحلة تعليمية، بعد أن أصبح غير كافٍ في الوقت الحاضر الاكتفاء بتلقين الطلاب الدرس واجبارهم على الحفظ، وأن يوجهوا إلى الاهتمام باللغة العربية وأهميتها لهم وللمجتمع، حتى يكون لديهم دافع يحفزهم لتعلمها .

وينوه عبدالعزيز سليم الجربي مفتش عام للتربية في تونس، بوجود محاولات بطيئة لمواكبة التطوير الطارئ على المنظومات العربية بفعل الاحتكاك بالعالم الغربي، لكنها محاولات لم تصل إلى المستوى الذي تأمله النخبة، لأن مدرس العربية حتى الآن مازال ينظر إلى الماضي، ولا يستشرف المستقبل، وبقيت الرؤية التربوية تنطلق من الموروث اللغوي الذي مازال لا يمكن المساس به والإصرار على أن اللغة قواعد وقوالب جاهزة ينبغي توريثها للأبناء، ونسيان أن وظيفتها تكمن في التواصل وفي العمل الوظيفي الذي يهدف إلى التقدم .

تأهيل المدرس

تتفق مريم كمال رئيسة قسم مناهج العلوم الإنسانية في إدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم مع المطالبين بتأهيل المدرس، وترى ضرورة امتلاكه لمهارات تدريس اللغة العربية وفق التوجهات الحديثة في مجال تعليم وتعلم اللغات الأم، والتي أثبتت نجاحاً في الدول المتقدمة، ما يفرض ضرورة قيام الميدان التربوي بتكثيف البرامج التدريبية المستمرة للمعلم، مشيرة إلى ضرورة استمرار هذه البرامج وأن تكون تطبيقية بجانب النظرية، وأن يقاس أثرها في ممارسات المعلم في المواقف الصفية من خلال المتابعة . وأضاف: المناهج المطورة في حاجة إلى معلم يعي فلسفة التطوير والمخرجات التعليمية التي تحتاجها تلك المناهج واستراتيجيات التعليم التي تركز على الطالب كمحور للعملية التعليمية، موضحة أن هذه المناهج بنيت وفق المعايير التربوية وركزت على إكساب الطلاب المهارات الأدائية للغة العربية، ما يتطلب من المعلم الاستماع والمحادثة والقراءة والكتابة مع الطلاب بالشكل الذي يخرج طالباً ممتلكاً لكافة المهارات الحديثة، بالإضافة إلى مهارات البحث والتعلم الذاتي واستخدام المصادر المتنوعة في عمليات التعلم بحيث لا يقتصر الأمر على الكتاب المدرسي .

وقالت إن إدارة المناهج بالوزارة مهمتها أن تقترح فقط عدداً من البرامج التدريبية اللازمة لمعلم اللغة العربية من واقع المتابعة الميدانية في المدارس، ويتم رفع نتائجها إلى إدارة التطوير والتنمية المهنية التي تقوم بتنفيذها إلى جانب برامج تربوية أخرى ترى ضرورتها للمعلم .

استخدام العربية فيها ضئيل

"الإنجليزية" تهيمن على الأنشطة الطلابية

الأنشطة المدرسية، متنفس يجد فيه الطلاب ساحة لإظهار المواهب والقدرات الخاصة، سواء كانت فنية أو رياضية، وتنفذ تحت إشراف إدارة المدرسة، بطريقة تربوية تنمي المواهب الطلابية، إلا أن معظمها يقدم باللغة الإنجليزية، ما ساعد على إهمال الطلاب اللغة العربية التي تحمل هويتنا الوطنية .  توجهنا إلى مديري بعض المدارس وناقشناهم في ذلك .

محمد حامد الرستماني مدير مدرسة خالد بن محمد بالشارقة، يؤكد وجود أنشطة تقدم باللغة العربية، سواء كانت خاصة باللغة العربية أو الدراسات الاجتماعية، والتربية الدينية أيضاً، فلا يعقل أن تقدم أنشطة هذه المواد باللغة الإنجليزية، موضحاً وجود مواد تقدم أنشطتها باللغة الإنجليزية مثل الرياضيات والفيزياء والجيولوجيا، وهي مواد يدرسها الطلاب بالإنجليزية ولا يعقل أبداً أن تكون أنشطتها باللغة العربية .

ولفت إلى وجود تقصير وعدم اهتمام باللغة العربية على مستوى الجهات، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، بالإضافة إلى الإهمال المتعمد من قبل بعض الأسر التي تفاخر بوجود أولادها في مدارس تدرس المنهاج البريطاني أو الأمريكي، وسمع بنفسه أولياء أمور يفاخرون بأن ثقافة أولادهم إنجليزية ولا يعرفون العربية، منوهاً بأن ذلك يزيد من الهوة بين ابناء الأجيال الجديدة ولغتهم الوطنية، ويدفعهم إلى الارتماء في حضن الآخر الذي يهتم بلغته ويقدم لهم من خلالها العديد من البرامج الأقرب إلى الترفيه من خلال الدروس في الصف، الذي يجلسون فيه وهم مبهورون بما يسمعون . وأوضح الرستماني أن علاقة إدارة المدرسة بالطلاب طيبة ويتعرف إلى أحوالهم بنفسه، ويؤكدون له دوماً عدم حبهم للغة العربية ويفضلون عليها اللغة الإنجليزية، التي يسعون لاتقانها حتى يحصلوا على الوظيفة المرموقة .

ولا ينكر سرور خليفة مدير المعهد الديني للتعلم الأساسي في دبي وجود أنشطة باللغة الإنجليزية بصورة زائدة عن الأنشطة العربية التي تفتقر للطرق الحديثة، مشيراً إلى أن الأنشطة الخاصة بالإنجليزية متعددة، فمنها المسابقات في القصة والشعر والمقال، لكنها بصورتها الكبيرة جداً في المدارس الخاصة، وإن كانت في المدارس الحكومية، لكنها ليست بنفس الصورة التي يتحدث عنها الناس، لأن المدارس الحكومية تركز في الغالب على تقديم الإنشطة باللغة العربية وهي توجيهات رسمية من الوزارة التي تحاول الاعتناء بالمنهج الخاص باللغة العربية، وتسعى إلى تطويره بمواكبة الطرق الحديثة التي نهضت من خلالها العديد من الدول .

ولفت إلى أن طبيعة المادة الدراسية هي التي تفرض كيفية تقديم النشاط فيها إن كان بالعربية أو الإنجليزية، فلا يعقل أن تكون أنشطة إحدى المواد العلمية مثل الرياضيات أو العلوم أو اللغة الإنجليزية بالعربية، التي لا يصلح فيها أبداً أن تكون لغتها بين الطلاب هي العربية، لافتاً إلى وجود توجهات حالياً إلى ضرورة الاهتمام باللغة العربية وتكريسها في أنشطة العديد من المواد مثل الاجتماعيات والجيولوجيا .

ويؤكد سعيد علي الشامسي مدير مدرسة حميد بن راشد للتعليم الثانوي في عجمان على الاهتمام باللغة العربية وتكريسها في كافة الأنشطة التي تقدم للطلاب، بهدف الحفاظ على الهوية الوطنية والسعي من خلالها لإحداث تقدم في كافة نواحي الحياة . مشيراً إلى أنه يراقب هذا الأمر داخل المدرسة ويرفض الحوارات القائمة على اللغة الإنجليزية ودائماً يدعو الطلاب إلى استخدام اللغة العربية، مع ضرورة عدم إهمال الإنجليزية التي يفترض فيهم تعلمها واتقانها .

ونوه الشامسي بأن المدارس الحكومية لديها تعليمات بالاهتمام باللغة العربية واعتبارها أساس هويتنا، وأن العربية ذات فضل على أصحابها ودورها كبير في حياتهم، مع الحرص على دفع الطلاب إلى تعلم الإنجليزية، مؤكداً أن ذلك جزء من المنهج الذي تسعي الوزارة إلى تطويره دائماً لمواكبة التقدم الذي نراه كل يوم سواء في التقنية، أو البرامج التعليمية الموجودة في كافة الدول .

ويقول محمد الماس مدير مدرسة المعارف الثانوية بدبي: “الأنشطة تقام لكل المواد، ومنها اللغة العربية، لكنها مكرسة دائماً في اللغة الإنجليزية، ما دفع الطلاب إلى عدم الاهتمام بالعربية أو محاولة الولوج إلى جمالها الذي أصبح مجهولاً بالنسبة لهم، حتى إنهم في البيوت يجدون أسرهم يجرون مكالماتهم باللغة الإنجليزية، والجامعات تطالبهم عند التقدم للالتحاق بها بتقديم شهادة “التويفل” .

وأضاف رغم ذلك كله أحاول زرع قيمة اللغة في الطلاب من خلال الأنشطة الصحافية، وجماعة المكتبة التي تكونت منذ بداية العام الدراسي، وأيضاً جماعة الإذاعة، وكل ما يقدمونه يكون باللغة العربية، معترفاً بضعف جانب اللغة العربية في المدارس بصفة عامة، ما يتطلب ضرورة تنشيط دور المدارس من قبل الوزارة عن طريق وضع برامج وأنشطة جديدة تقدم باللغة العربية وفرض الحديث داخل الصفوف باللغة العربية الفصحى والبعد عن العامية، وأن يحصل الطلاب على درجات في أعمال السنة إذا أحسنوا الحوار بالفصحى .

ويؤكد محمد عمر الشمر مدير مدرسة ثانوية الراشدين في عجمان تدهور اللغة العربية في المدارس بعد أن سيطرت اللغة الإنجليزية على الأنشطة والفعاليات، ما دفع الطلاب إلى التخلي عنها وتكريس جهودهم لتعلم الإنجليزية واتقانها عن طريق الحصول على العديد من الدورات فيها، ورغم أن ذلك يكلفهم أموالاً كثيرة، إلا أنهم يندفعون لتعلمها من أجل استكمال دراساتهم في الجامعة والحصول على وظيفة تناسب أحلامهم، مشيراً إلى أن هذا الأمر فيه خطورة هائلة على حدوث مزيد من التدهور، لأنه يزيد من عدم الاعتناء بالعربية من قبل الطلاب، وبالتالي عندما يتحولون إلى آباء لن يورثوا أولادهم أي شيء عن لغتهم التي تصل الآن إلى القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد .

وتشير جميلة الزين مديرة مدرسة المعارف الخاصة التي تعتمد المنهاج الأمريكي إلى وجود أنشطة باللغة العربية لبعض المواد في المدرسة رغم أنها مدرسة إنجليزية، لأنها ملتزمة بخطوط عريضة واضحة من قبل وزارة التربية والتعليم التي تحرص على تعلم اللغة العربية .

ويقول ناصر بن عيسى مدير مدرسة محمد بن خالد الثانوية في أبوظبي إن الأنشطة تكون بالعربية في المواد الخاصة بعروبتنا مثل اللغة العربية والتربية الدينية والاجتماعيات، بالإضافة إلى الإذاعة المدرسية وجماعة الصحافة والمكتبة والمسابقات التي تقام في القصة والشعر .


معلمون بلا شهادات متخصصة

رغم أننا نعيش في عصر التخصص، ونسعى إلى ربط الطلاب بهويتنا العربية عن طريق التعليم في المدارس، فإن هناك معلمين يدرّسون اللغة العربية في بعض المدارس من دون الحصول على شهادة متخصصة فيها، وتناسى القائمون على تلك المدارس أن اللغة العربية متشعبة ومليئة بالقواعد، ويجب على من يدرسها أن يكون متخصصاً فيها .

خبراء تحدثوا عن هذا الأمر ووصفوه بالقتل العمد للغة مع سبق الإصرار والترصد، وطالبوا بضرورة أن تسري قواعد اختيار المعلم في المدارس الحكومية على المدارس الخاصة:

كلنا عرب ونفهم اللغة العربية وقواعدها، لكننا لا نستطيع تعليمها في المدارس، إلا إذا كنا متخصصين فيها، هذا ما يقوله دكتور محمد فورار، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، متسائلاً عن كيفية قيام معلم متخصص في التاريخ أو الفيزياء، أو الإعلام أو الرياضيات أو الهندسة بتدريس قواعد اللغة العربية وجمالياتها للطلاب، وما الأسباب وراء السماح بتدريس اللغة العربية لطلابنا من قبل غير متخصصين فيها؟

وأضاف: نعرف أن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في المدارس الحكومية لما لها من طبيعة خاصة تتمحور حول كيفية اختيار المعلم، وما يواجهه من اختبارات ولجان، يفضلون فيها الحاصلين على الماجستير والدكتوراه، وهي طريقة ناجعة، وفي مصلحة الطالب والوطن، وهي قواعد صارمة لا يجتازها سوى من لديه الخبرة والعلم، لكنها قواعد وقوانين غير معمول بها في مجال التعليم الخاص الذي يسمح لمعلم غير متخصص في اللغة العربية، القيام بتدريسها من دون علم المنطقة التعليمية التابعة لها المدرسة، أو إخفاء الأمر تماماً عن وزارة العمل التي تتحرك دائماً بناء على شكوى، غالباً ما تكون في مخيلة البعض لكنها لا تخرج إلى الواقع . ولفت إلى ضرورة تطبيق القواعد التي تطبق على المدارس الحكومية في التعليم الخاص، وعدم السماح لأصحاب المدارس الخاصة باختيار المعلم بالاشتراك مع موجه المادة، لأن هذا الأمر تحكمه الخواطر والعلاقات الشخصية، مشيراً إلى ضرورة أن تكون كل الاختبارات داخل الوزارة حماية للغتنا وأولادنا، مع ضرورة تغليظ العقوبات على المدارس الخاصة في حال ضبط أي مخالفة في هذا الأمر .

ويشير د . محمد عيلان، الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، إلى ضرورة التأكد من قيام المتخصصين بتدريس العربية حفاظاً على هويتنا، والتصدي لمن يديرون مدارس بهدف تحقيق مصالحهم الذاتية المحصورة في جميع المال . ونوّه بأن هذا الأمر يتعلق فقط بالمدارس الخاصة التي يقتصر فيها التعيين على المدرسة وعلاقتها بموجه المادة في المنطقة التابعة لها بعيداً عن وزارة العمل، لافتاً إلى ضرورة أن يكون العمل في المدارس الخاصة بنفس النموذج الذي تعمل وفقه المدارس الحكومية، خاصة في عملية اختيار المعلم وما يتبعه من تطورات، خاصة في مجال التدريب الذي يقام لمعلمي المدارس الحكومية .

ويطالب د . شوكت السعيد، أستاذ اللسانيات بضرورة الوقوف عند هذا الأمر، لأن غير المتخصص الذي يقوم بتدريس اللغة العربية طامة كبرى على التعليم، مشيراً إلى أنه لا يمكن لأي شخص يتحدث العربية ويكتبها بصورة صحيحة أن يعتمد عليه في تدريس اللغة العربية، لأنه لا يعرف تشعباتها، ولا يعرف كيفية التعامل مع الطلاب، الذين يكونون بحاجة إلى معاملة خاصة لتقبل المعلم وما يقوله، وهو أمر يكمن في ما يسمى المعلم التربوي الذي نحتاج إليه جميعاً .

ويشير حمدي السباعي، مدرس اللغة العربية، إلى أن اللغة العربية من أهم اللغات في هذا العالم، لأنها مليئة بالجماليات التي يستطيع من خلالها الإنسان التعبير عن احتياجاته في كافة المجالات بجمل بسيطة، لعلمه بتشعباتها المليئة بالقواعد، لذلك يجب على من يقوم بتدريسها أن يكون دارساً لها وحاصلاً على شهادة فيها، موضحاً أنه شخصياً يعرف مدارس خاصة تستعين بغير متخصصين في اللغة العربية لتدريسها وذلك من دون إخطار المنطقة التعليمية وربما بعلم من موجه المادة، ما يشكّل خطورة كبيرة على الطلاب الذين يتقبلون المعلومات التي يلقيها عليهم ويستقطبهم إلى الدرس الخصوصي الذي لا يسلمون فيه من أخطائه .

ويؤكد موجه للغة العربية بوزارة التربية والتعليم، رفض ذكر اسمه، أن اللغة العربية تموت بفعل فاعل بعد أن سلبت اختصاصات الوزارة من التعليم الخاص وانحصر دورها في الإشراف فقط من دون تحديده، ومنح الرخصة، ما فتح المجال أمام أصحاب هذه المدارس بالتلاعب في مجال التدريس وجلبوا أشخاصاً غير مؤهلين لتدريس العديد من المواد على رأسها مادة اللغة العربية، لافتاً إلى أن الأمر أيضاً مازال يمس عمليات اختيار المدرسين داخل الوزارة رغم وجود لجان واختبارات، فهو على المستوى الشخصي رفض معلماً للغة العربية في مقابلة اختبار له لفشله في إعراب جملة مكوّنة من ثلاث كلمات، لكنه فوجئ به ضمن الذين نجحوا، ومازال يدرّس في المدارس الحكومية .

تطوير يسبح عكس الطموحات

رغم التطوير الذي طرأ على المناهج الدراسية والذي تشرف عليه وزارة التربية والتعليم، إلا أن ذلك لم ينعكس على أرض الواقع، واعترض بعض الطلاب على مناهج اللغة العربية وعلى أداء عدد من المعلمين، الذين ابتعدوا عن الدورات التأهيلية المتخصصة، المعنية بتسليحهم بطرق التدريس الحديثة حتى يطبقوها داخل الصف .

التقينا بعض المدرسين والطلاب لنتعرف إلى تأثير التطوير فيهم ولنقترب مما يدور داخل الصف في حصة اللغة العربية .

محمد عبيد طالب في مدرسة العروبة الثانوية في الشارقة يعترض على التطوير في منهج اللغة العربية الذي قالوا عنه إنه يدفع الطالب إلى الإثراء والبحث، لأنه جاء خلافاً لذلك تماماً وسبح على الطموحات، ما زاد من كرهه وزملائه للغة العربية، واندفعوا إلى اللغة الإنجليزية التي يرونها سهلة الفهم لأن قواعدها بسيطة وغير معقدة، مشيراً إلى أنه أصبح يرى حصة اللغة العربية ترفيهاً، نظراً لتفاوت وجهات النظر بين مدرس اللغة العربية في الصف وبين من سبقوا في تدريسه من قبل .

ويرى زميله عبدالرحمن أن المعلم وإدارة المدرسة لا يشجعان على تعلم اللغة العربية ويستهينان بها، ما يجعل الطلاب يبادلونهما الشعور نفسه، لدرجة أن بعضهم أصبحوا يتندرون على كل معلمي اللغة العربية، وعلى الأنشطة التي يقدمونها .

أما محمد علي  طالب في مدرسة الشعلة في الشارقة  فيؤكد أنه أحب اللغة العربية وجعلها أهم مادة في حياته، ما دفعه إلى تعلم قواعدها في الصف من المعلم الذي وجد منه تشجيعاً كبيراً، بالإضافة إلى الدرس الخاص الذي اندفع إليه مع أصدقائه، وحفظ القرآن الكريم، حتى تكون مخارجه اللفظية سليمة، موضحاً أن الأنشطة التي تقام في المدرسة للعربية ربما تفوق أنشطة المواد الأخرى سواء في المواد العلمية أو الإنجليزية، وتهتم إدارة المدرسة بجماعة الإذاعة، وتشجع على المنافسة عليها بين الطلاب لاختيار الأجدر بالمشاركة فيها .

ويؤكد طالب في المعهد الديني في عجمان  رفض ذكر اسمه  أن معلمي اللغة العربية في المدرسة يستخدمون أساليب تقليدية في التعامل داخل وخارج الصف، ويتحدثون اللغة العربية الفصحى حتى في الحوارات العادية، ولذلك عندما تبدأ الحصة داخل الصف ينشغل الطلاب عن المدرس الذي يكتفي بطلب الهدوء ولا يحاول الوقوف على أسباب هذا العزوف عندما يبدأ الدرس .

ويطالب بضرورة أن تكون هناك عناية باختيار معلم اللغة العربية وأن تقاس الجوانب النفسية الكامنة فيه، لأنه لم يعد يكفي تفوقه في الدرجات التي حصدها في الشهادة التي حصل عليها من الكلية في اللغة العربية .

ويشير طالب فضل الرمز لاسمه ب ع . م . يدرس في الصف السادس بمدرسة عثمان بن عفان في أم القيوين إلى أن كرهه للغة العربية يرجع إلى معلمها الذي يعيش في الماضي ولا يهتم بالأمور الحديثة التي يسمعها من الطلاب، ولا يشاركهم الرأي فيها ويصف ما يقولونه بأنه “حرام وعيب” وتكرار هذا الكلام “قلة أدب” وسوف يعاقبهم .

وأضاف: يجب أن يكون معلم اللغة العربية مثقفاً عصرياً مثل والده الذي علمه أشياء جميلة منها معرفة كل شيء، وأخذ ما يناسب حياتنا وترك ما يضرنا، أي يضعنا في حالة اختيار ما بين الشر والخير .

ولفت محمد . ع . أ طالب في مدرسة دبي الدولية الخاصة في دبي إلى تقلص أنشطة اللغة العربية لدرجة أن الطلاب في المدرسة نسوها، وأصبح كل تعاملهم في الأنشطة بصفة عامة باللغة الإنجليزية، في حضور معلم اللغة العربية الذي يقف عاجزاً عن فعل أي شيء، لأنه إن عبر عن رأيه فسوف تقوم إدارة المدرسة بفصله لذلك يلتزم الصمت، حتى عندما تضيع حصة اللغة العربية في بعض الأحيان لصالح إحدى المواد العلمية كالرياضيات أو الفيزياء أو الإنجليزية، ما جعله يتحول في أعين الطلاب إلى معلم غير كفؤ ولا يحترمه أحد، بالاضافة إلى أن التعاون بين المعلمين في المدرسة أصبح معدوماً بعد أن ساد الاهتمام بالإنجليزية التي أصبحت لغة كافة الأنشطة .

وبأسى شديد عبر مدرس لغة عربية في إحدى المدارس الخاصة التي تدرس المنهاج الأمريكي في الشارقة عن تدني وضعه بين الطلاب وعدم احترامهم له، خاصة أثناء وجوده معهم في الصف، لدرجة أن بعضهم يسخر منه باللفظ، وعندما يخبر الإدارة لا يجد منها سوى وصفه بالرجل الضعيف عديم الشخصية، وعليه أن يسيطر على الطلاب، متسائلاً كيف يسيطر عليهم وهو إن وجه لأحدهم لفظاً سوف يفصل، لأن الطالب على حق دائماً في نظر الإدارة، وكأنه زبون يشتري سلعة من سوبر ماركت، ما يؤكد أن الادارة هدفها فقط جمع الأموال من الطلاب وجذب المزيد منهم، رغم أن المدرسة لا تقدم خدمة تعليمية كبيرة، ولكنها أقل من العادية، ولا يعرف سبب تكالب العائلات عليها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق