الجمعة، 5 أكتوبر 2012

أَرَقٌ - قصيدة وتعليق




                       أَرَقٌ


وقفتُ خلفَ السِّـتارِ أرْقُبُ الأُفُقَا 

                            فانْتَابَـنيِ رعشةٌ قَلْـِبي لهَا انْفَـلَقَا

لمَاَّ رأيتُ الحَـيَاةَ طُلسُـمًا حَائِـرًا 
                            مِثْلي يُفتِّشُ عنْ مَرسَاهُ مُـذْ خُـلِقَا 
مُسَافرٌ في مَـدَى الزَّمَـانِ أَسْـأَلُهُ 
                            مَـتىَ اقْتَرَبْتُ مِنَ الحَقِيـقَةِ انْغَـلَقَا 
كَبَاحِثٍ في الرَّمَادِ يَبْتَـغِي شُعْـلَةً 
                            لمَـَّا دَنَا مِنْ رَجَاهُ شَـلَّ وَاحْـتَرَقَا 
عَيْني بَكَـتْ حُرْقَةً عَلَى غَـدٍ عَـالِقٍ 
                         وَحَاضِـرٍ مَا أرَاحَ الجَـفْنَ وَالحَـدَقَا 
وَذَاكَ مَاضٍ كَطَـيْفٍ هَائمٍ فيِ الدُّجَـى 
                              تَـلُوحُ ذِكْـرَاهُ حِـينًا كُلَّمَا ائْتَـلَقَا 
يَوْمِي كَأَمْسِي وَأَمْسِي فيِ الصَّدَى كَغَدِي
                              ثَـلاَثَـةٌ فيِ دَمِـِي أَعِيـشُهَا أَرَقَــا 

                                                                    الشريف عمر ميهوبي


                                                أرق     
                                                                                                                       عبد الحافظ بخيت
أرق على أرق على أرق,  ومثلك يأرق
 هى دفقة شعورية واحدة محملة بشحنات عاطفية ومعان دلالية تستوعبها صفحات كثيرة إذا حللناها  واضعين أيدينا      على هذا القلق الوجدى فى رحلة الإنسان فى الدنيا /الطلسم والوجود الملغز الذى تستعصى شفراته على الحل فكان الشاعر كباحث فى الرماد يبتغى شعلة/ ولما دنا من رجاه شل واحترقا فلا فى الحاضر نجاة ولا من القادم المهلك مفر
ان هذه القصيدة  تحمل عمقا فلسفيا يختصر رحلة الانسان فى الحياة فى لغة مكثفة ولحظة شعرية تعامل الشاعر معها بمهارة فنية عالية اختار لها قافية القاف المفتوحة ليدل على اتساع القلق وعذاب الروح و وضع النص الشعرى بين قوسى الاستهلال والخاتمة فى فنية لا يقوى عليها إلا قدير ولنا ان نتأمل استهلال النص
وقفت خلف الستار أرقب الأفقا /فانتابنى رعشة قلبى لها انفلقا وهو استهلال تأمل يتسع لكل الرؤى التأملية فى الوجود ثم تأتى الخاتمة برهان معطيات التأمل
يومى كأمسى وأمسى فى الصدى كغدى /ثلاثة فى دمى أعيشها أرقا
فالتأمل كشف للشاعر تشابه الأيام فى حالة القلق ولا مبرر للسكون فيها، فكانت نهاية القصيدة لحظة تنوير كاشفة ونهاية حاسمة، وبين هذين القوسين يتوهج المعنى الشعرى والطرح الفلسفى للنص
                                                                                  تحية للشاعر المتالق الشريف عمر
                              رائعة متأملة     صبري أبوحسين
 

قطعة ميهوبية شريفية، على نسق البسيط التام، ذي القافية المطلقة المكونة من القاف رويًّا وألف الإطلاق وصلاً.جاء المطلع مصرعًا، قال:

وقفتُ خلفَ السِّـتارِ أرْقُبُ الأُفُقَا

                          فانْتَابَـنيِ رعشةٌ  قَلْـِبي لهَا انْفَـلَقَا

ولكن جاء بها ما يقف منه العروضي موقف الحذِر، ويضع تحته خطًّا أحمر، حين تسلم (فاعلن) في العروض، أو يكثر الخبن في (مستفعلن)، كما في قول شاعرنا:(لمَاَّ رأيتُ الحَـيَاةَ طُلسُـمًا حَائِـرًا)

 وقوله:(كَبَاحِثٍ في الرَّمَادِ يَبْتَـغِي شُعْـلَةً

وقوله:(عَيِْني بَكَـتْ حُرْقَةً عَلَى غَـدٍ عَـالِقٍ )

وقوله:(وَذَاكَ مَاضٍ كَطَـيْفٍ هَائمٍ فيِ الدُّجَـى)

وبعد قراءتي عددًا من بسيطيات الميهوبي أقول: إن هذا من باب شجاعة العربية كما قال العظيم ابن جني في خصائصه، أو من باب أنا أكبر من العروض كما قال أبوالعتاهية، أو من باب علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا وتتذوقوا...تلك الظاهرة دالة على أن الشريف شاعر مطبوع يلفظ ما توحي به ملهمته، دون نظر إلى مقاييس علمية تعليمية قابلة للأخذ والرد، حسب الأذواق والاتجاهات الفكرية لدى المتلقين الذين يعدون المنتج المشارك للمبد في نصه. 

 إن هذه القافية الميهوبية ومضة محلقة في أجواء الكون والفكر، تعلن عن دهشة كل مفكر، وحيرة كل متأمل، تتسم بما يتسم به الشعر الميهوبي من لغة حالمة، وموسيقى هامسة موحية، ترتفع ارتفاعًا شاهقًا على آليات النثر العادي الجاف.

 يكفيني -كمتلق- أن أتمتع مرددًا ومنشدًا ومتغنيًّا بختام الومضة:

يَوْمِي كَأَمْسِي وَأَمْسِي فيِ الصَّدَى كَغَدِي

                               ثَـلاَثَـةٌ فيِ دَمِـِي أَعِيـشُهَا أَرَقَــا

يَوْمِي كَأَمْسِي وَأَمْسِي فيِ الصَّدَى كَغَدِي

                                 ثَـلاَثَـةٌ فيِ دَمِـِي أَعِيـشُهَا أَرَقَــا

يَوْمِي كَأَمْسِي وَأَمْسِي فيِ الصَّدَى كَغَدِي

                                  ثَـلاَثَـةٌ فيِ دَمِـِي أَعِيـشُهَا أَرَقَــا
                                                          موقع الوراق 13 - مايو - 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق