الخميس، 18 أكتوبر 2012

نشيدُ اللِّقاء - قصيدة وتعليق


قصيدة وتعليق
نشيدُ اللِّقاء*

الشريف عمرميهوبي

فَيروزٌ تَـلألأَ من حـولنَا            

   فأشـعَّ سـناهُ على دربــنَا

فَمشينَا نغنيِّ نشـيدَ اللِّقَا          
                     لِتَـغارَ البَـلاَبِلُ  مِنْ شَدْوِنَا
وَالرَّبيعُ حَنَا طرفَهُ بـاسمًا          
                   ينثرُ  الأرضَ  دُرًّا على هدْيِنَا
وَالزُّهورُ يضوِّعُنا عبـقُهَا           
                     والنَّسائمُ   هَفَّتْ  على رَبْوِنَا
وَالفرَاشُ يُلَوِّحُ حِينًا وحِيـ
            نًا يُذَرْذِرُ عِطْـرًا  على إثْـرِنَا
وَالسَّنابِلُ رَاقِصةٌ مرَحًا مثْلنَا                                       
                    وَالغَـمامُ  يُظـلِّلُ  من فوقِنَا
وَمشَيْنَا نُـعَانقُ أَحْـلامَنَا                                              
                  كَفرَاشِ الرَّبِـيعِ  على روضِنَا
كَشُمُوعٍ تُضيءُ الدُّنا بهجَةً                                                  
                 بحِلُولِ البَـشَائرِ  في عهـدِنَا
فَيعُودُ السَّـلامُ  إلى رَبْعِنَا                                           
                   وَيعُودُ الشُّمُوخُ  إلى أرضِـنَا
كَطيُورِ السَّمَا حَلَّقتْ عَالِيًا                                            
                   إِذْ تَوارَتْ  بعيدًا  عنْ أُفْـقِنَا
لِتعُودَ وفي جُنْـحِهَا هَـبَّةٌ                                             
                       سَتُعِـيدُ الحياةَ إلى جمْـعِنَا
كُلُّنَا سَيُـغَادِرُ هذا  الفَضَا                                            
                           سَنُسَـافِرُ يومًا إلى غَـدِنَا
وَيحَينُ الفِرَاقُ وَتَبْقَى الدُّرُو
                     بُ صَدًى إذْ تَعيشُ على رَجْعِنَا
وَيَصِيُر اللِّقَاءُ صَدَى أَمْـسِنَا                                      
                       وَسَتُرْوَى حَكَايَاهُ مِنْ دَمْعِـنَا

* مهداة إلى أطفالنا وهم يتأهبون لقطف الثمار ومغادرة الأسوار، إليهم في كل الأعمار وفي كل الأطوار.

تعليق: عبد الحفيظ بخيت - مصر
          أنا واحد ممن يعجبون يشعر الشاعر /الشريف عمر ميهوبي لأنه شعر على بساطته يحمل معاني  كونبة تصلح لكل زمان ومكان والذى لفت نظرى عنده أيضا قدرته العجيبة على إعطاء النص بصمة شعرية تستطيع من خلالها أن تقول هذه قصيدة الشريف عمر حتى لو خلت القصيدة من توقبعه وهذا نادر عند الكثير من مبدعى اليوم .
       وهذا النشيد، الذى يذكرنا بأ ناشيد شوقى القديمة، يرتد بالحياة إلى عفويتها وفطرتها ليس لأن الشاعر أضفى إحساسه على الطبيعة فصارت شخوصا حية منحركة تشاركنا نفس الإحساس بالحياة ولا لأن الشاعر حول هذا النشيد إلى (موتيفة) حية متحركة وإنما لهذا البعد الفلسفى الناتج عن المفارقة الشعرية بين حياة الراحلين عن هذه الحياة وحياة القادمين اليها بين هذه الزهر اليانعة وبين أعجاز النخل الخاوية، هذه المقابلة دفعت النص إلى (دينامكية) الحركة الدلالية فالواقع السردى للنص مجبور على وصف الحياة الزاهية المملوءة بالجمال والبعد الإنسانى الشفيف .
ومشينا نعانق احلامنا /كفراش الربيع على iiروضنا
كشموع تضئ الدنا بهجة /بحلول البشائر فى عهدنا
ثم تكتمل الصورة بأن هذا الوصف السردى يفضى إلى نعت شعرى أظنه بيت القصيد فى هذا النص وهو:
كلنا سيغادر هذا الفضا /سنسافر يوما الى غدنا
ويحين الفراق وتبقى الدرو/ب صدى اذ تعيش على رجعنا
والشاعر نجح فى أن يجعل النص كتلة شعرية واحدة من خلال توظيف حروف النسق(الواو والفاء) كروابط لمعانى النص الجزئية وروابط لتوالد المعنى فى البيت الواحد داخل المعتى فى البيت السابق واللاحق كما أن غلبة الصيغة الفعلية على النص جعلت المعنى الشعرى متجددا. لكنى توقفت أمام الاهداء الذى جاء فى ذيل النص وأحسست أنه مقحم على العمل بل كشفه أمام المتلقى مما يجعل لذته أقل من لو كان بغير إهداء .
                                                     لك كل مودتى سيدى وأشد على يديك

تعليق: الشريف عمرميهوبي
نشيد اللقاء/ الفراق
        اللغة ليست حيادية، والمشاعر ليست حيادية ، والرؤى والأفكار ليست حيادية، وما يكتبه الوعي أقل مما يكتبه اللاوعي، فكلاهما يتجاذبان كتابة القصيدة؛ فنكتبها أوتكتبنا. وكلمات القصيدة هي علامات أودوال على رؤى وأبعاد حاضرة غائبة، تختزل الزمان والمكان لتمتد في صيرورة الأبدي، إلى المطلق.فكل لقاء يعقبه فراق،  وكل  لقاء  يعقبه رحيل،  وكل  رحيل  مؤقت  هو  امتداد  للرحيل  السرمدي، فالكون  بمن فيه وما فيه  هو في حالة رحيل، وكل رحيل له نهاية؛ رحلة الأشياء ، رحلة الكائنات. فكل بداية معلقة بنهايتها.
       وإسرارالإنسان على النسيان لهذه النهاية، يجعله يعيش بحلمه وخياله وآماله وطموحاته أكثر ممايعيشه بعمره الافتراضي مرات ومرات، ينشد الخلود وينشد كل شيء يؤدي إلى الخلود، وعلى رأس مايخلد الإنسان أعماله التي يتركها بعد رحيله.  وردة فعل الإنسان هذه  قد يعيها  وقد  لايعيها.
        أعود إلى أخي الأستاذ _عبد الحفيظ بخيت _في تعليقه على القصيدة لأقول:  إنك غواص محترف  لا يعجبك ولا يقنعك  الوقوف  على  الشاطئ   وانتظار  ما تجود به  الأمواج  من صيد،  فهذا عمل الهواة،  فاحترافك  للغوص  يدفعك إلى المغامرة  في  الأعماق والاستئثار بأسرارها واستخراج حليها من لآلئ ومرجان، فيكون صيدك أوفر وأثمن.  وهذا ماتفعله في  كل مرة  عندما تعلق  على قصائدي، فلا يغريك سطحها بل يغريك عمقها، ولا يغويك جسدها بل تغويك روحها؛ لأن جاذبية السطح  مؤقتة قد تزول بعد لحظة الانبهار الأولى، لكن جاذبية العمق تظل تتوالد في خفاء وسرها أنها لا تكشف عن نفسها مرة واحدة، ولا تكشف عن نفسها لكل الناس إلا لمن أحسن التأمل وأجاد القراءة وأحكم التأويل.
    وماأجملك_ أخي عبد الحفيظ_ حين تحلل وحين تؤوِّل  وحين تعلل، وما أحسن تأملك وماأجود قراءتك. وقد كبرت بتحليلك قصائدي.
    أما ذكر المناسبة أوالإهداء فأنا معك فلا أحبذ وجودها مع القصيدة ولاأذكرها في كتاباتي إلا نادرا، لأنها تحيل القارئ منذ البداية وتوجهه إلى قراءة واحدة، وتقتل عنده لذة الاكتشاف والمجهول. ولكني كذلك أؤمن بشيء ذكرته في بداية هذ التعليق وهو أن النص مهما  وُجِّه  من قبل صاحبه  يظل كالفرس الحرون  إن سارت خطو ة إلى الأمام فإنها تتراجع خطوتين إلى الخلف، وإن وجهه بوعيه فإن اللا وعي  يعاكسه في توجيهه.  وهذه القصيدة رغم توجيهها إلى فئة معينة ومناسبة معينة، فإنك استطعت أن توجهها توجيها ينأى بها عن التوجيه الأوَّلي، توجيها تستحقه القصيدة، وتوجيها تستحق_أنت_ عليه التحية والتقدير والاحترام.


              تعليق: الدكتور صبري أبو حسين - مصر
      نشيد اللقاء  قصيدة من بحر المتدارك التام قافيته مطلقة مكونة من النون رويًّا والألف وصلاً، جاء المطلع مصرعًا، قال:
 فَيروزٌ تَـلألأَ من حـولنَا        فأشـعَّ سـناهُ على دربــنَا
وقد جاء النشيد مطبقًا لأهم الشرائط الفنية المطلوبة في الأدب الموجه للأطفال والمصور حياتهم ومشاعرهم، حيث المفردات الواضحة، والتعابير السهلة السلسة، والقالب الموسيقي المطرب الغنائي، والتركيز على عناصر البيئة من حوله حيث(البَـلاَبِل،َالرَّبيعُ،الزُّهورُ،النَّسائمُ،الفرَاش، السَّنابِلُ، الغَـمامُ، َشُمُوع، طيُورِ السَّمَا) وقد جاء النشيد دفقة واحدة، مترابطة لغويًّا وفكريًّا، وإن كنت أحس أن الختام مفاجئ؛
فالعنوان(نشيد اللقاء) يوحي بأنه لقاء ممتع لذيذ، لكن الشاعر صدمنا قائلاً:         
كُلُّنَا سَيُـغَادِرُ هذا  الفَضَا           سَنُسَـافِرُ يومًا إلى غَـدِنَا 
وَيحَينُ الفِرَاقُ وَتَبْقَى الدُّرُو      بُ صَدًى إذْ تَعيشُ على رَجْعِنَا
وَيَصِيُر اللِّقَاءُ صَدَى أَمْـسِنَا     وَسَتُرْوَى حَكَايَاهُ مِنْ  دَمْعِـنَا

تعليق: الشريف عمرميهوبي 
                         صدمة النهاية


            
أخي الدكتور صبري: قد يكون الختام مفاجئا،  وقد يشكل  صدمة  عند القراءة الأولى،  ولكن  بعد القراءة الأولى  قد تبدو النهاية  امتدادا طبيعيا  للبداية.  فلكل بداية نهاية،  بل البداية ما هي إلا  رحلة أولى  على شط العدم. وكل مؤقت هو امتداد للمطلق: المغادرة، الفضاء، السفر،  الغد، الفراق،  الصدى،  الأمس،  الحكايا ، الدموع؛ إنها تربط نهاية القصيدة بنهاية الرحلة أو نهاية النهاية.
    تحية لك على تعليقك الجميل ودمت لنا موجها وناصحا وناقدا .


                                                  نشرت في موقع الوراق 2008م

هناك تعليق واحد: